مقالات مختارة

مدد يا سيدي مدد .. !

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600

المزاج العام في عالمنا العربي خلال شهر رمضان هذا العام كان صوفيا بامتياز، فعلى الفضائيات تربع محيي الدين بن عربي والحسين بن منصور الحلاج على منصة "العشق"، أتمام جماهير "المريدين" والسالكين الباحثين عن اليقين، وفي بلادنا اهتزت مسارح قصر الثقافة على إيقاع "الأناشيد" والمولوية الصوفية حيث انتصب جلال الدين الرومي راقصا أمام الحضور.


على بعد نحو 32 كيلومترا من عمان أيضا، حيث مقام النبي شعيب عليه السلام أحيا مجموعة من "المتصوفة" ليلة القدر في المسجد الذي أقيم للضريح، مما دفع وزارة الأوقاف إلى فتح تحقيق بالموضوع لمعرفة كيف تسلل هؤلاء إلى المقام.

لم تتناقل وسائل الإعلام - أيضا - ما جرى في الحضرات الصوفية التي كانت تقام كل ليلة في معظم المحافظات، ولا الدروس التي قدمها المحسوبون على خط "التصوف" في المساجد، ففي هذا الشهر بالذات "تنتعش" هذه الحضرات بحضور المريدين الذين يتناوبون الذكر والإنشاد والرقص حول "شيوخهم" كل على طريقته وحسب تقاليده.


أرجو أن لا يسألني القارئ الكريم عن "سر" إحياء هذه الليالي الصوفية التي غمرت بلداننا العربية في رمضان، صحيح أن "للصوفية" تراثا كبيرا وحضورا دائما في كثير من بلداننا، وصحيح أن لدينا تجربة عميقة وثرية في هذا المجال، لكن الصحيح أيضا هو أن استدعاء التصوف بمثل هذه "الكثافة" وبمثل هذا الاحتفاء يحتاج إلى وقفة أخرى، ليس هذا مكانها بالتأكيد، ولست المعنيّ بالتعليق عليها.


سواء أكان هذا الاستدعاء طبيعيا أو صناعيا، فإنني أعتقد أن المجال الديني أصبح مفتوحا في عالمنا العربي لاستقبال "الصوفيين"، ليس فقط لأن الساحة أصبحت "مهيأة" لهم بعد خروج ممثلي الحركات والفرق الأخرى أو إخراجها، وإنما لأن مثل هذا الحضور - كما دلت تجاربنا التاريخية - يتناسب مع المزاج الشعبي العربي (لا تسال لماذا؟!) ومع رغبة السياسة تحديدا في تجاوز حالة "التدين" المناكف والمتمرد - بأنواعه التي نعرفها - إلى توطين حالة "التدين" الناعم والزاهد أو التدين الروحي المشغول بالذكر والتسبيح والأناشيد "والتوسل" فقط.


اعرف أن كثيرين لم يرحبوا بإطلالة الحلاج (265 هجرية) ولم يعجبهم نبش قبر ابن عربي (558 هجرية) وأعرف أيضا أن قليلين قرأوا "التفاسير والطواسين وبستان المعرفة والمرويات والديوان" وغيرها مما تركه الحلاج، أو قرأوا "ترجمان الأشواق وفصوص الحكم واليقين" وغيرها مما كتبه ابن عربي، لكن المؤكد أن اختيار الرجلين "كأبطال" على الشاشات كان له أهداف أخرى غير تلك التي يمكن لباحث غيري أن يفتش عنها، أو لمشاهد عربي يريد أن يتحرر من سطوة عبث السياسة بمتابعة مسلسل عن "العشق" الإلهي الحقيقي لا المغشوش.


لا أريد أن أدافع عن الدين أو أهاجم منتقدي الصوفية، كما لا أريد أن أعلق على "دراما" التصوف التي حضرت في رمضان بدعوة مرتبة ومقصودة، يكفي أن أقول بأن حال عالمنا العربي الآن كحال المريد الصوفي الذي يجلس في الحضرة مستسلما أمام شيخه، يهز رأسه ويردد متوسلا: مدد يا سيدي مدد..!

عن جريدة الدستور الأردنية 

1
التعليقات (1)
قاسم قصير
الأربعاء، 05-06-2019 05:09 م
مقال جميل ومفيد ويؤشر للواقع الصعب في العالم العربي والإسلامي والحاجة إلى منقذ غير تقيلدي