قضايا وآراء

سوريا من سيعمرها؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
دعا نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، في كلمة ألقاها خلال الجلسة المخصّصة لمناقشة الأوضاع في إدلب، دول العالم إلى مساعدة روسيا في القضاء على ما سماه الإرهاب، وبعد إنجاز هذه المهمة؛ عليهم المساعدة في إعادة إعمار سوريا.

السؤال: من سيعمّر ماذا؟ ولمن؟ وقبل هذا: كيف ولماذا يساعد العالم روسيا في حربها على السوريين؟ وللعلم فقط، كان المسؤول الروسي يرد على مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أورسولا مولر"، التي وجهت سؤالا مباشرا لأعضاء مجلس الأمن: متى سوف تتحركون لحماية المدنيين؟ بعد أن عدّدت المجازر التي تقوم بها روسيا وتابعها بشار الأسد ضد ثلاثة ملايين من السوريين محاصرين في إدلب.

لكن قبل الدخول في أي تفاصيل، يتوجب سؤال المسؤول الروسي عما إذا كانت روسيا قد أنهت عملية تجريب أسلحتها في سوريا، التي تتفاخر بوصول عددها إلى 600 نوع من الأسلحة، فضلا عن تباهيها الدائم بقضائها على الثورات ووقف مدها!

ما تطلبه روسيا من سوريا يكاذ يفوق قدرة العقل على تصوّره، فهي تريد جعل سوريا مجرد لوحة إعلان عن أسلحتها الفتّاكة التي لا تقهر؛ فليس مهما كم قتلت هذه الأسلحة من بشر، وما هي الكوارث التي خلفتها من دمار وإعاقات، بل الأهم هو ما أضافته روسيا من اختراعات على صعيد الأسلحة كإضافة للحضارة الإنسانية! وتريد روسيا أيضا أن يعترف لها العالم في دفاعها عن القانون الدولي، فإنقاذها لمجرم حرب من السقوط وحمايته من العدالة الدولية؛ تعتبره إنجازا تستحق المكافأة عليه.

ليس ذلك وحسب؛ بل إن التشاطر الروسي وصل إلى حد استثمار نكبة ضحاياها، فالذين تقتلهم طائراتها فأولئك هم الدلالة على عظمة قوتها وعلو كعب أسلحتها، أما الذين يفرون من الموت فتجري مساومة تركيا وأوروبا عليهم، وعبرهم يريد بوتين تفكيك الاتحاد الأوروبي وتحقيق مكاسب جيوسياسية في القارة الأوروبية، وضمان وصول أنصاره ومحبيه من الأحزاب اليمينية المتطرفة للسلطة!

غير أن ما هو أكثر غرابة من كل ذلك، أن روسيا تطمح بالحصول على ثروة تقدّر بمليارات الدولارات من عملية إعمار سوريا، حيث تتجهّز شركاتها للحصول على حصة الأسد من عملية الإعمار القادمة. وفي الواقع سيكون ذلك، إن حصل، بمنزلة أكبر عملية عسكرية رابحة في التاريخ، فلم يحصل أن قامت دولة بتدمير بلاد أخرى ثم استفادت من عملية إعمارها، فضلا عن احتلالها لكل مصادر الثروة فيها، من نفط وغاز وفوسفات وموانئ ومطارات.

الغريب أن بوتين يجد من يسايره في هذا الأمر، فبالأمس خرج تقرير من دوائر المخابرات الإسرائيلية يقول بوجود توجهات إسرائيلية، وربما أمريكية، تدعو إلى إغراء بوتين بالحصول على حصة وازنة من عوائد عملية الإعمار، مقابل قبوله بإخراج إيران من سوريا. أما عن مصدر الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، فيقترح أصحاب هذه التوجهات أن تأتي من دول الخليج، بل ويعتبرون أن أمر الأموال ليس مشكلة بقدر ما هي موافقة بوتين على الفكرة!

من يراقب التصريحات والتلميحات الإسرائيلية والأمريكية سيندهش من استسهال الكرم بالأموال الخليجية، فصفقة القرن يريدون تمويلها بالأموال الخليجية، وإعمار سوريا كذلك. ولا ندري ما إذا كان هناك مشاريع مخبأة في أدرج أمريكا وإسرائيل ستعتمد على التمويل الخليجي! لكن هل دول الخليج قادرة على إعمار سوريا؛ إذا افترضنا أن هذه الدول موافقة بالفعل على العملية؟

تشير أغلب التقديرات إلى أن إعمار سوريا سيكلف ما بين 400 و600 مليار دولار، بعضها يذهب إلى حد التريليون، ومن يتابع الأوضاع الاقتصادية لدول الخليج في السنتين الأخيرتين سيشكك حتما بهذه الإمكانية، ذلك أن دول الخليج، وخاصة قطر والسعودية والإمارات، تنخرط في مشاريع داخلية تكاد تستوعب كل الفوائض المالية لديها، كما أن برامجها من هنا إلى عقد قادم متخمة بمشاريع تحتاج إلى تمويلات كبيرة. أما القطاع الخاص في هذه الدول فلن يجازف بالاشتراك في إعمار سوريا بأكثر من مليارات معدودة، وغالبا بسبب السمعة السيئة لقطاع الاستثمار في سوريا، الذي يقع تحت السيطرة المباشرة لآل الأسد ومخلوف.

من جهتها، أوروبا، وهي صاحبة الإمكانيات والخبرات الأكبر، لن تقدم على هذا الأمر، في ظل الشروط والظروف التي يضعها بوتين، ولن تساهم حتى بمقدار بسيط، ومن الصعب أن تتراجع أوروبا عن قراراها، فلم تعد مجبرة بعد أن استوعبت اللاجئين وقامت بإدماجهم ضمن مجتمعاتها.

ثم لمن سيجري إعمار سوريا، إذا كان نظام الأسد يرفض عودة اللاجئين، ويصادر ممتلكاتهم، بل تقوم شركاته ببناء شقق سكنية في مناطق الاصطياف؛ ليس بقصد بيعها للسوريين الذين تهدمت منازلهم، وإنما لسكان دول الجوار الذين لديهم القدرة على شراء هذه المنازل بالعملات الصعبة التي ستصب في حسابات آل الأسد وحلفائهم؟!

من الأفضل لبوتين أن ينزل عن شجرة مطالبه العالية، ما لم يكن هناك حل متوازن يراعي العدالة وحق السوريين، ليس فقط ستخسر شركاته ومؤسساته فرصة الحصول على نصيب من إعادة الإعمار، بل ستتحوّل سوريا كلها إلى مأزق وخسارة تستنزف ما في روسيا من فوائض، إن كان لديها فوائض.
التعليقات (1)
الشامي المكلوم
الجمعة، 31-05-2019 11:10 م
توجد في روسيا اليوم أغبى قيادة عرفتها تلك البلاد منذ الثورة الشيوعية ، أي منذ قرن تقريباً . قبل تدخل روسيا في سوريا عسكرياً منذ 30 سبتمبر 2015 ، أبلغ بوتين مجلس الدوما أن قوات روسيا ستنجز المهمة خلال شهرين أو 3 أشهر في أقصى تقدير . ها هي الآن تقترب من 4 سنوات من دون أن تحقق شيئاً سوى قتل البشر و تدمير بلداتهم و تهجيرهم . يقال في المثل العامي "الكذاب خرَب بيت الطماع" . من جرَ بوتين المافياوي الطماع إلى التدخل هو الكذاب أوباما "بمساعدة وزير خارجيته كيري"و قام بتمويل الحملة الروسية أعراب الجزيرة العربية بأوامر أمريكية. الأصل أن يقوم بإعمار بلد من قام بتدميرها لكن في الواقع الدولي المعاصر الظالم ستكرر لعبة الكذب على طماعين "أغبياء" . كل من يمتلك ثروة و يرغب في ضياعها أو إهدارها ، سيجد في سوريا ما يحقق ذلك لأن في سوريا عصابات محترفة في النهب و الاختلاس و تدربوا كثيراً على التعفيش . أي عاقل يريد استثمار أمواله في سوريا ، عليه انتظار زوال حكم العصابات في سوريا بشكل نهائي . لا يوجد عاقل يغوص من دون أن يقيس ...