لم يحدث في المغرب أن أثير موضوع صلاة التراويح، ففي كل سنة كانت تتداعى الصحف إلى تتبع المقرئين والمساجد التي تستقطب أوسع قدر من المصلين، وكانت تفتح صفحاتها لحياة المقرئين البارزين، وسلوكهم اليومي في شهر رمضان.

لكن هذه السنة، وقع شيء مختلف، فقد كتبت الصحفية نورة الفواري مقالا مثيرا في جريدة الصباح، بتاريخ 16 أيار (مايو) الجاري، تناول صلاة التراويح من زاوية أخرى، فتحت عنوان "صـلاة التراويـح… هي فـوضى؟"، كتبت تقول بأنه في صلاة التراويح، "مصلون ينتشرون في الشارع العام، ويعرقلون حركة السير، ويزعجون المرضى تحت يافطة العبادة".

 

 

وذكرت أنه عند هذه الصلاة "تغلق الأزقة، وتفترش "الصلايات" (تقصد السجادات) وسط الشوارع، وتعلو أصوات الميكروفونات الرديئة فوق صوت القانون".

 

هذا المقال الذي استهدف صلاة التراويح بشكل غير مسبوق في المغرب، تذرع بحجة "قطع الطريق على المارة وتعطيل حركة السير". ولم تنس الصحفية أن توجه انتقادها للصائمين، وتتهمهم بالنفاق الاجتماعي، فهؤلاء الصائمون الذين يملأون الشوارع لأداء صلاة التراويح ـ حسب الفواري ـ "هم أنفسهم الذين نصادفهم صباحا يتعاركون من أجل لا شيء ويسبون "من السمطة لتحت" (تقصد أسفل الحزام)، ويضربون ويعطبون، وقد يقتلون ويرتكبون جريمة بشعة، فقط لأنهم "مقطوعون" من الأكل والشرب و"الكارو" (تقصد السجائر) ومشتقاته، ليرتدوا، مباشرة بعد "الفطور"، جلاليبهم ويحملوا بدلاتهم، ويبدأوا رحلة بحثهم عن الحسنات".

 

 

واعتبرت الصحفية أن صلاة التراويح في الشوارع تعتبر "شططا في ممارسة العبادة، لا أحد يتجرأ على الاعتراض عليه. وكل من سولت له نفسه الشكوى أو التذمر، صبت عليه اللعنات وتعرض لوابل من الانتقادات وألصقت به جميع أنواع التهم، بل وكفّر أيضا، وقد يصبح دمه مهدورا… هكذا بكل بساطة".

الفيسبوك وسلاح الرد!

هذا المقال أثار ردود فعل قوية على شبكات التواصل الاجتماعي، فرأى فيه كثير من الشباب أنه جرأة غير مسبوقة ضد هذه الشعيرة الدينية، فيما البعض الآخر، راح يبحث عن بروفايل هذه الصحافية على الفيسبوك ومن تكون، فوجدوا ضالتهم بصورها وهي تفتخر بالأكل وشرب الخمر في إسرائيل، وصورة أخرى جمعتها بعمدة مدينة الناصرة، وصورة أخرى مع أفيخاي أدرعي الناطق الرسمي باسم الجيش الصهيوني الذي ظهر مبتسما وسعيدا للغاية. 

وتعود هذه الصور التي وضعتها الصحفية المذكورة بنفسها في حسابها الخاص في الفيسبوك إلى زيارة لها مع وفد إعلامي إلى إسرائيل أثارت هي الأخرى كثيرا من الجدل، إذ قام الوفد في السنة الماضية، بزيارة مدينة القدس والمسجد الأقصى ومؤسسة "يد فاشيم"، لتخليد ذكرى "ضحايا الهولوكوست"؛ كما كان ضمن برنامج هذا الوفد زيارة المحكمة العليا والبرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، والالتقاء بعدد من الشخصيات الصهيونية المعروفة بجرائمها ضد الفلسطينيين كما التقى الوفد بأفيخاي أدرعي الناطق الرسمي باسم الجيش الصهيوني ..


وبنكيران يحذر من مخاطر العلمنة

في الوقت الذي اشتعلت فيها وسائل التواصل الاجتماعي، وتجاوزت الحملة الصحفية المذكورة، إلى صحيفة (الصباح) المقربة من رجل الأعمال الثري ورئيس التجمع الوطني للأحرار حليف حزب العدالة والتنمية في حكومة العثماني، فقد بادر رئيس قسم الإعلام بحزب العدالة والتنمية إلى إصدار توضيح يتبرأ فيها من صفحة فايسبوكية تحمل اسم "we can" التي أنشأها شباب بقصد حشد الدعم للحزب، وبرر المسؤول الإعلامي بالحزب، موقفه باستعمال هذه الصفحة لعبارات وألفاظ لا تمت لثقافة الحزب بصلة،  وكانت الصفحة، هاجمت الصحفية المذكورة، ونشرت صورا لها، وعلقت عليها.

 

عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، دخل على الخط، واعتبر في كلمة لشباب من الحزب زاروه في بيبته مؤخرا، أن المغاربة من أكثر الشعوب إيمانا في الكون، ويقبلون على الصلاة بالملايين". ولمح إلى ما كتبته الصحفية بالقول: "حتى أن بعضهم تضايق من اجتماع الناس على التراويح وإيقافهم الحركة في بعض الشوارع لساعة من الزمن"، وحذر من مخاطر العلمانية، معتبرا أن الذين يتكلمون عن العلمانية يغامرون بأنفسهم ووطنهم لأننا أمة انبنت على الدين، والمولى إدريس منذ جاء أول مرة للمغرب بنى دولته على الإسلام، ودستورنا ينص على إمارة المؤمنين”، وشكك في المقاصد التي دفعت هذه الصحفية لكتابة هذا المقال، قائلا:" لا يعرف الهدف من كتابة مثل هذه المقالات التي تستفز المغاربة والأمة الإسلامية، "بالفعل لا أعرف لماذا قامت هذه الصحافية بكتابة هذا المقال، الذي تصف فيه صلاة التراويح بالفوضى، بداعي أن المصلين يعرقلون حركة السير" واعتبر ما كتبته "عيبا واستفزازا".

عصيد يدخل على الخط

الناشط الأمازيغي ذو الخلفية العلمانية، أحمد عصيد، دخل هو الآخر  على الخط، واعتبر أن الصلاة في الشارع ليست فقط فوضى، ولكنها بحسب قوله "استعراض للعضلات الدينية" وأنها تعبر عن نفاق اجتماعي، إذ لا مقارنة بين الحضور الكثيف للمصلين في صلاة التراويح، وبين ما أسماه بـ "الحصيلة الهزيلة على المستوى القيمي وعلى المستوى السلوكي داخل المجتمع" ولم يكتف الناشط الأمازيغي بهذا  القدر، بل استغل الظرف ليوجه سلاحه إلى رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، ويزعم أنه من "بين الأشخاص الذين يقومون باستعراض عضلاتهم بأداء الصلاة في الشارع وعرقلة الطريق أمام المارين، وذلك سعياً لكسب أصوات المواطنين، وخلط السياسة بالدين". ودعا عصيد إلى التخلي عن صلاة التراويح في الشوارع، واصفا إياها بـ "العادة السيئة التي تسبب الكثير من المشاكل" داعيا إلى نقل الصلاة لمكانها الأصلي داخل المساجد المتواجدة بوفرة في كل منطقة من ربوع المملكة.

 

صلاح الوديع أحد مؤسسي حزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس حركة ضمير العلمانية التوجه، دخل هو الآخر على خط الجدل، واعتبر أنه لا بد من التمييز بين نقد الدين ونقد التدين، وأن توجيه النقد إلى التدين في شكل احتلال المصلين للشارع العمومي، لا يمكن اعتباره نقدا للدين ولا تجريحا له.

الفزازي يرد على عصيد:

الشيخ السلفي المثير للجدل، محمد الفزازي دخل هو الآخر على الخط، واعتبر أن الأمر هو على غير ما وصفه أحمد عصيد وغيره من العلمانيين، فالمصلون لا يصلون في الشوارع بدل المساجد، وإنما يضطر هؤلاء للصلاة في الأماكن المحيطة بالمسجد، عندما تمتلئ المساجد، فلا يجدون مكانا للصلاة"، وقال الفزازي ردا على عصيد: "عصيد لا يذهب إلى المسجد، ولا أدري ما يضره أن تمتلئ المساجد بهذا الشكل العجيب".

 

من جدل التراويح إلى جدل التدين والحياة الخاصة

على أن الجدل لم يبق عند هذه الحدود، فقد امتد النقاش إلى زاوية أخرى تتعلق بالخلط بين حرية التعبير وبين الحياة الخاصة للأفراد، إذ ذهب بعض الحقوقيين العلمانيين، إلى أنه ليس من حق أحد أن يتعرض للحياة الخاصة للصحفية المذكورة، لأنها ملكها، وأن لها الحرية عن التعبير عن رأيها، لاسيما وأنها لم تمس الدين وإنما مست التدين ومظاهره، فيما يرى الرأي المقابل، أن هذا الرأي الذي أدلت به هذه الصحفية ينطلق من خلفية معينة، وأنه لا بد من الكشف عن هذه الخلفية للرأي العام حتى يعلموا إن كان الأمر يتعلق فعلا برأي وحرية تعبير، أم أنها تدخل ضمن أجندة تستهدف الثوابت الدينية.