حول العالم

كيف يقضي طالبو اللجوء أيام رمضان في جنوب فرنسا؟

إفطار طالبي لجوء- تويتر
إفطار طالبي لجوء- تويتر

ربما كانت أجمل اللحظات بالنسبة للصائمين هي وقت الإفطار، ليس فقط لأنه وقت ملء المعدة بعد ساعات طويلة من الامتناع عن الأكل والشرب، بل أيضاً لأنه يتم في جو عائلي تسوده الألفة والمحبة.

 

بيد أن العديد من الشبان المسلمين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الحروب والاضطهاد أو لأسباب أخرى، يفتقدون لهذه الأجواء اللطيفة، فيما يعيشون في بلاد اللجوء ظروفاً صعبة قد تضطر بعضهم للنوم في العراء أو في مخيمات جماعية مكتظة أو في مآوي للمشردين. 

حلاوة السمسمية

مرارة هؤلاء متشابهة بين الجزائري الذي يفتقد إلى صحن من حساء الشُربة الرمضاني من يد أمه، أو النيجيري الذي يرغب بوجبة من الدجاج المسلوق مع الأرز وفطائر اللحم بين أهله وأخوته، أو السوداني الذي يتذكر مائدة الإفطار وقد اجتمع حولها جميع أفراد العائلة وبعض الأصدقاء حيث صحون الكسرى وحساء الملا الأحمر وحلاوة السمسمية.

بالنسبة لآدم الشاب الإريتري الذي لا يزال ينتظر قرار قبوله كلاجئ في فرنسا، يعيش ظروفاً صعبة في مأوى المشردين الذي يطلقون عليه (115) في إشارة إلى الرقم الذي ينبغي أن يطلبه كل من لا يجد مأوى. هذه الخدمة لا تتجاوز الثلاثة أيام يتم بعدها نقل المشرد إلى سكن آخر أو النوم تحت الجسور وفي الحدائق ومن كان حظه جيداً يتم التمديد له كل فترة. آدم وجد بعض الأجواء التي عوضته ما افتقده برحيله عن أهله في بعض مساجد مرسيليا التي توفر للصائمين وجبة إفطار يومية أو ما يُطلق عليها موائد الرحمن.

 

وقال لـ"عربي21": "في المسجد أجد الطعام اللذيذ والرفقة الجميلة نصلي المغرب ونفطر ومن بعدها نصلي العشاء والتراويح وأحياناً نسهر حتى الفجر نقرأ القرآن وبعض الأدعية".

ناصر لاجئ سوداني لا يجد الأجواء الرمضانية التي يحبها، حيث يقيم لدى عائلة فرنسية في إحدى القرى التابعة لمنطقة إكس أون بروفانس. لكنه يحاول التواصل مع مواطنيه السودانيين في مرسيليا من خلال إفطار جماعي يقيمونه كل مساء أحد في أحد المقاهي. يقول عن هذه البادرة إنها جيدة وتبقي خيوط التواصل قائمة مع الوطن وأبنائه، مشيراً إلى أن هذا المشروع يتم تمويله من اشتراكات أبناء الجالية.

غربة صعبة

المهاجر الجزائري ربما لا يجد نفسه غريباً في فرنسا مثل غيره بحكم وجود جالية كبيرة من أبناء وطنه وتوفر العديد من الأقارب والأصدقاء في منطقة الجنوب الفرنسي حيث يقيم، يقول: "يدعوني أقاربي وأصدقائي كل فترة إلى مائدة الإفطار ونتشارك في صناعة الحلوى الرمضانية مثل مقروض الكوشة وقريوش الريشة والأطعمة المختلفة".

بيد أن زهرة العراقية الكردية تشعر بغربة صعبة نتيجة بُعدها عن أهلها في السليمانية فهي تحاول أن تعد بعض الأطباق التقليدية، وكونها تسكن عند عائلة فرنسية فهي لا تملك الحرية المطلقة في عمل ما تريد، كما أن المنتوجات الكردية لا تتوفر بكثرة في ريف منطقة إكس أون بروفانس. لكنها تفضل أحياناً دعوة مضيفيها للعشاء معها وهم يتقبلون ذلك بكل سرور.

 

هنا يؤكد أحد الناشطين في جمعية Welcome لاستضافة طالبي اللجوء، لـ"عربي21" أن المهاجر المقيم لدى عائلة فرنسية يمكنه التحدث عن الروحانية والإيمان بحسب دينه، وله الحرية في أن يفعل ما يحلو له. وإذا كان دينه يحظر أنواعاً من الطعام، فإن الأسرة تحترمه قدر الإمكان.

الغوطة والمحاشي

يتذكر عايد السوري خلال حديث لـ"عربي21"، وجبات الإفطار في غوطة دمشق مع أهله، بحسرة، حيث كانت "اللمة العائلية من أجمل ما نعيشه في رمضان، كنا ندعو في كل مساء بعض أقاربنا إلى مائدة الإفطار أو كان آخرون يدعوننا، وكانت وجبات الكبة والمحاشي واليخاني وحلويات زنود الست والقطايف بالقشطة والجوز والكنافة، من الطيبات التي تحضر دائماً على مائدة رمضان. "أما هنا فبالكاد أسمع الأذان من التلفون وأعد إفطاراً بسيطاً أحياناً مع بعض أصدقائي من طالبي اللجوء أو المقيمين في فرنسا".

لكن عايد يستدرك قائلاً إن ذلك "ربما كان أفضل لأن التبذير والمبالغة في تحضير أنواع المأكولات والحلويات لا يتلاءم مع قيم هذا الشهر في التقشف والبساطة والشعور مع الفقراء".

أبو بكر الغيني يحاول تبسيط الأمور بالنسبة لقضاء رمضان بعيداً عن أهله ووطنه، قائلاً باللغة الفرنسية "سي لا في" أي "هذه هي الحياة"، لكنه مثل غيره من مهاجري الشرق الأوسط وأفريقيا يجد أن طول النهار في أوروبا هو الذي يجعل الصيام صعباً. بيد أن وجود عدد كبير من أبناء بلده في مرسيليا يجعل قضاء هذا الشهر أجمل حيث يترافقون إلى المسجد ويرتادون موائد الرحمن وأحياناً يتشاركون في إقامة وجبات في أماكن سكنهم.

أما بالنسبة لعيد الفطر فقد كانت معظم الإجابات تتمحور حول الصلاة في أحد مساجد مدينة مرسيليا أو إكس أون بروفانس، والغالبية أكدت أنها ستخصص بعض وقت العيد للتواصل مع الأهل والأصدقاء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفون، أو تنظيم مائدة متواضعة مع بعض الأصدقاء. فلعل أجمل ما في رمضان، ذاك الجانب الاجتماعي والإنساني الذي لا يمكن سلخه عن جوهر هذا الشهر "الأكل مع الأحبة أطيب" كما يقول المثل العربي.

التعليقات (0)

خبر عاجل