قضايا وآراء

شذرات عن المخزن في المغرب وأحجار الشطرنج!

حسان الشويني
1300x600
1300x600

من أبجديات الحياة السياسية، الحفاظ على البقاء بغض النظر عن نوعية الحكم السائد، سواء كان ديمقراطيا أو دكتاتوريا، ولكي يتأتى هذا الأمر يحتاج أي نظام سياسي قائم إلى أدواته الخاصة. فالأنظمة العسكرية عادة تتجه نحوا المواجهة المباشرة، وهي التصفية والقمع والدموية والإعدامات، كما هو الحال في مصر السيسي الانقلابي وبشار الأسد البراميلي الفاشي. في المقابل، هناك أنظمة تنهج أساليب أكثر ذكاءً ومكرا.

المغرب من الدول التي تنهج سياسة داخلية ماكرة، وذكاء المخزن في الحفاظ على نفسه لا تخطئه عين فاحصة، حتى تعامله مع جماعة العدل والإحسان المحظورة لا ينزل لمستوى تعامل دول في المنطقة، رغم أن هذه الجماعة "العصامية" لا تعترف بالملكية، لأن كل السلطات الجوهرية تتركز في يد الملك.

عدا عن ذلك، استطاع المخزن تطويع كل الحركات والأحزاب لخدمته، حتى لو كان هذا الحزب أو هذه الحركة يصرخ زعماؤها بشعارات أخرى تغذي ما يريد مريدوه سماعه.

من الأحزاب التي كانت تعاني التضييق؛ حزب العدالة والتنمية. ففي خضم ربيع 2011، بدأ هذا الحزب في استغلال عامل القمع الذي كان يعانيه عامل الخلفية الإسلامية أيضا. لقد خرج عبد الإله بن كيران في خطاباته يهاجم عالي الهمة (مستشار الملك حاليا) بكل ما أوتي من قوة. كان المخزن رخوا بسبب غليان الوطن العربي كله وليس فقط المغرب، لكن اتضح لدى الكثير من المغاربة أن هذا الحزب كان كل حلمه أن ينال حقه من كعكة الحكم، ومنافسة عالي الهمة وآخرين لخدمة المخزن؛ الذي ما إن ينتهي من خدمه يرميهم.

لا ننسى الحركات والأيديولوجيات الأخرى، وكيف يستخدمها المخزن ضد بعضها، فالحركات الإسلامية تفضل التحالف مع المخزن على أن تتحالف مع اليساريين، ونفس الأمر ينطبق على الحركات الأخرى، كالحركة الأمازيغية، التي مهمتها الأولى هي التصدي للإسلاميين، حتى لو كان ذلك عن طريق المخزن الذي لن يبخل بدوره، وهو بذلك يحافظ على ميزان القوى بين الحركات التي تنزع إلى التمرد عليه ويجعلها تأكل بعضها، ويبقى المخزن هو الأقوى بتطبيقه "سياسة تشتيت الغنم" وفرق تسد، ولا يسعنا هنا إلا القول "حلال على الشاطر".

لقد أثبت لنا المخزن من خلال استخدام أسلحته في إخماد الشارع وإفلاس حركة 20 فبراير؛ أنه يحتاج مكرا مقابلا وناعما. ولا أتوقع شخصيا أن حزب "البيجيدي" ستقوم له قائمة، وهو السبب الرئيسي في فوز حزب المقاطعين في الانتخابات التي مرت علينا والتي سوف تأتي مستقبلا. فدخول دار المخزن ليس كالخروج منه.. هذا الحزب الذي أصبح غارقا في المتاع الدنيوي وامتيازات أعضائه من النواب والوزراء من جيوب الطبقات الفقيرة ودافعي الضرائب، حتى وإن كان ذلك بغطاء قانوني. لقد استطاع بجدارة أن يأكل سجله الذي كان ينهل منه ويسقي به المتعطشين لوطن ديمقراطي، والقطع مع دولة المحسوبية والفساد.

عجيبة هي تلك المبررات التي يتكئ عليها إخوان بنكيران للتبرؤ من تهمة استفادة أعضائه من الريع.. عجيب كيف يمكن لهؤلاء أن يتنصلوا من الوعود التي سطوا بها على أصوات المواطنين. لقد كانت أبرز الوعود التي قطعوها هي محاربة الريع، ما إن تواجههم بالأدلة القطعية والنموذج أ. م. ع التي تستفيد من عدة تعويضات حتى ينبرون للدفاع عنها، وحجتهم في ذلك أن ما تتقاضاه قانوني! وعلى كل حال فما يرونه قانونيا سيصبح ملفات سوداء مستقبلا، وكلما خرجوا من الفتنة أركسوا فيها.

ولا غرو أن المخزن سيستمر في استغلال التيارات لصالحه ما عدا العدل والإحسان التي تبقى جماعة قوية لا تتنازل أبدا، والتي لها بعض التحالفات الصغيرة مع تيارات يسارية، لكن ليس لذلك أي تأثير على الأرض.

ما يثير الاستغراب في هذه الجماعة هو عدم ظهورها إلا في المناسبات ثم الاختفاء مجددا والانطواء على نفسها، رغم أنها تمتلك قاعدة مهمة من الأتباع والمتعاطفين.

ربما أي حراك مستقبلي سيكون للجماعة كلمة فيه، لكن السؤال هو: كيف سيتعامل المخزن معها ويجعلها من رجال إطفائه؟!

 

[email protected]

التعليقات (1)
إبراهيم الدحماني
السبت، 11-05-2019 02:48 ص
بل السؤال: كيف ستكون معولا لهدم النظام؟

خبر عاجل