اقتصاد عربي

مراقبون يشككون بنجاح السلطة بالانفكاك عن الشيكل الإسرائيلي

الجانب الإسرائيلي استطاع أن يفرض واقعا اقتصاديا على الأرض يعيق تطبيق أي خطة يتناها الطرف الفلسطيني للانفكاك عنه- جيتي
الجانب الإسرائيلي استطاع أن يفرض واقعا اقتصاديا على الأرض يعيق تطبيق أي خطة يتناها الطرف الفلسطيني للانفكاك عنه- جيتي

جدد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، الحديث عن سعي حكومته للتخلص من عملة الشيكل الإسرائيلي، والبحث عن بديل آخر من خلال عدة خيارات أبرزها إصدار عملة محلية، أو الاستعانة بعملة رقمية، ضمن خطط السلطة الفلسطينية للانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل.


يأتي ذلك في إطار سعي السلطة للضغط على إسرائيل، بعد قرار الأخيرة اقتطاع ما قيمته 138 مليون دولار من عائدات الضرائب التي تجبيها نيابة عن الفلسطينيين، والمعروفة بأموال (المقاصة)، وهو ما دفع بالسلطة إلى إعلان خطة الطوارئ؛ نظرا لما تمثله هذه الأموال في توفير 65 بالمئة من إيرادات الخزينة العامة.


حديث اشتية لم يكن بالجديد، فقد طرحته السلطة في اجتماع المجلسين الوطني والمركزي منتصف العام الماضي، وشكلت لجنة منبثقة عن هذا الاجتماع لدراسة هذا الخيار ومدى إمكانية تطبيقه على الأرض.


ويعتبر الشيكل الإسرائيلي واحدا من ثلاث عملات أساسية يتداول بها في السوق الفلسطيني إلى جانب الدولار الأمريكي والدينار الأردني، في حين تتم المعاملات الرسمية داخل مؤسسات السلطة بالشيكل بما فيها رواتب موظفي السلطة والعمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وهو بذلك يستحوذ على 80 بالمئة من السيولة النقدية داخل الاقتصاد الفلسطيني.


كما أقرت اتفاقية باريس الاقتصادية التي تعود لعام 1994 مهام البنك المركزي لسلطة النقد الفلسطينية، لكن من دون القدرة على إصدار عملات، وأوصى البروتوكول باستخدام الشيكل، وأعطى لإسرائيل حق الاعتراض على أي عملة فلسطينية.

 

ويعد إصدار عملة فلسطينية من الأمور الجدلية بين الاقتصاديين، وذلك بسبب العقبات المفروضة على الواقع الفلسطيني، وأولها أن إسرائيل لن تمرر وتطبق هكذا قرار يسمح لفلسطين أن يكون لها عملة خاصة بها، وبالأخص في ظل تعثر المفاوضات بين الجانبين.


رسالة سياسية


وبذلك يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة، إلى أن "تهديد السلطة بالانفكاك عن إسرائيل من خلال إصدار عملية محلية، هي بمثابة رسالة سياسية قد يكون تطبيقها على الأرض مستحيلا إذا ما نظرنا إلى متطلبات تنفيذ هذه الخطوة".


ويوضح أبو مدللة لـ"عربي21" أن "افتقار فلسطين لبنك مركزي يدير السياسات المالية ويشرف على أداء البنوك هو العائق الأول أمام تطبيق هذا الطرح، إضافة إلى أن الاحتياطات المالية الموجودة في البنوك العاملة في فلسطين من العملات الأجنبية، كالدولار واليورو والذهب، لا تتجاوز قيمتها نصف المليار دولار، وهي تمثل 15 بالمئة من حجم الاقتصاد الفلسطيني".


ويؤكد الخبير الاقتصادي أن "إسرائيل تستحوذ على 80 بالمئة من الواردات الفلسطينية، بقيمة تناهز 20 مليار شيكل (5.2 مليار دولار)، وجميع هذه المعاملات تتم بعملة الشيكل، لذلك يتطلب تطبيق هذه الخطوة البحث عن بديل تجاري في دول الجوار كالأردن أو دول الخليج ومصر لديه القدرة والاستعداد على التعامل مع العملة الجديدة".


في حين يشير وزير التخطيط السابق، سمير عبد الله، إلى أن "الجانب الإسرائيلي استطاع أن يفرض واقعا اقتصاديا على الأرض يعيق تطبيق أي خطة يتناها الطرف الفلسطيني للانفكاك عنه، فإذا ما نظرنا إلى حجم العمالة الفلسطينية في السوق الإسرائيلي، الذين يقدر عددهم بنحو 150 ألف عامل يساهمون بنحو 40 بالمئة من حجم السيولة النقدية بقيمة 800 مليون شيكل شهريا (230 مليون دولار)".

 

انهيار السلطة


ويؤكد الوزير السابق لـ"عربي21" أن "ردة فعل الطرف الإسرائيلي على أي خطوة من السلطة ستكون تسريح هؤلاء العمال، وهذا يعد بمثابة انتحار؛ نظرا لعدم قدرة السوق الفلسطيني على استيعاب هذه الأعداد الضخمة من العمال، وبذلك قد يكون السيناريو القائم هو انهيار السلطة والعودة إلى الوضع ما قبل اتفاق أوسلو".


على الجانب الآخر، تستفيد إسرائيل من اعتماد الطرف الفلسطيني على عملتها في التداول اليومي، وهو ما يعطي البنك المركزي الإسرائيلي حرية أكبر في تنفيذ السياسات التوسعية أو الانكماشية، حيث يستوعب السوق الفلسطيني 30 مليار شيكل سنويا.


ويرى الباحث في مركز التخطيط الفلسطيني، مازن العجلة، أن "على الطرف الفلسطيني أن يعالج الخلل في بنيته الاقتصادية قبل الإقدام على أي خطوة من طرف واحد، فمثلا مستويات البطالة المرتفعة وعدم وجود بنية صناعية وإنتاجية تستوعب هؤلاء الخريجين الذين يزدادون بشكل سنوي، إضافة إلى العجز المرتفع في ميزان المدفوعات لصالح الطرف الإسرائيلي، ومشكلة الدين العام التي تجاوزت 6 مليارات دولار، وعجز الموازنة السنوي الذي يبلغ بالمتوسط 400 مليون دولار سنويا".


ويؤكد العجلة لـ"عربي21": "لا يمكن أن نتطلع أو نطمح إلى إصدار عملة وطنية قبل أن نعالج الأزمات المتراكمة، كما أن على السلطة أن تعالج المتغيرات السياسية والميدانية مثل السيطرة على المعابر الحدودية والتجارية لحماية البضائع وقنوات إيصال الأموال، وضمان حرية تناقلها دون أي معيقات إسرائيلية".

التعليقات (0)