قضايا وآراء

الملكة صفية.. ومسجدها الفريد!

حسين دقيل
1300x600
1300x600

الملكة صفية؛ جارية من بنات البندقية أسرها القراصنة، ثم باعوها إلى رجال السلطان مراد الثالث، فأشهرت إسلامها وتزوجها السلطان، وما لبثت أن انتقلت إلى حريم السلطان، ورغم أنها لم تكن بارزة الجمال، فقد تميّزت بالمرح والجاذبية مما أدى إلى سرعة تعلق مراد بها، ولم يمض عام على دخولها الحريم، حتى أنجبت له ولدا؛ هو السلطان محمد خان الثالث، وقيل في سيرتها أنها كانت داهية ومسيطرة على ابنها السلطان، وأنها دبرت العديد من المكائد، كما ذُكر أن لها أعمالا خيرية عديدة، ومنها هذا المسجد الذي لا يزال يحمل اسمها حتى الآن.

إنه مسجد الملكة صفية؛ الذي يقع في شارع الست صفية المتفرع من شارع محمد علي بالقاهرة، وهو ذلك المسجد الأثري الذي يحمل رقم 200، 330 بسجلات الآثار، وحجة رقم 1297، 1298 بالأوقاف المصرية، ويرجع تاريخه إلى 1019هـ، 1610م، حيث أنشأه "عثمان أغا بن عبد الله" أغا دار السعادة؛ أحد مماليك الملكة صفية، ثم امتلكته الملكة بعد وفاته، وقامت باستكماله على يد "إسماعيل أغا" الناظر على الوقف، الذي أنهاه في المحرم سنة 1019هـ، ووضع اللوحة التأسيسية التي تخبر زوار المسجد؛ بأنه من تشييد الملكة صفية، وإشراف إسماعيل أغا.

قامت الملكة رغبة منها في عمل الخير، وتكفيرًا عما ارتكبته من مكائد وجرائم - كما ذكر عدد من الباحثين - قامت بتعيين خطيب للمسجد عالم زاهد كريم الخلق، وطالبت بأن يخطب فيه على منوال الشرع في الجُمع والأعياد، خطبة تناسب الأيام والفصول، وليس له أن ينيب عنه أحدا بلا عذر شرعي، كما عينت للمسجد خدمًا يتولون حفظ المصاحف ونظافة المسجد، ومنهم من اختص بالبخور والتعمير والزراعة، بل وهناك أيضًا من عهدت إليهم بتحفيظ قراءات القرآن الكريم، فضلاً عن قُراء يقومون بتلاوة القرآن والدعاء لها بطول العمر!

وقد ذكر حسن عبدالوهاب في كتابه تاريخ المساجد الأثرية، أن: هذا الجامع؛ ثالث جامع بمصر وضع على مثال الجوامع العثمانية بإسطنبول، فأولها مسجد سليمان باشا بالقلعة، وثانيها مسجد سنان باشا ببولاق، وهذا هو الثالث، ويليه مسجد محمد أبو الدهب تجاه الجامع الأزهر، ومسجد محمد علي بالقلعة، وجامع الفتح الملكي، وهذا الطراز وحده هو ما يجب أن نطلق عليه بمصر؛ العمارة العثمانية.  

يرتفع مسجد الملكة صفية عن مستوى الشارع لأربعة أمتار، حيث يتم الصعود إليه من مداخله الثلاثة بدرج كبير مستدير يبلغ ثماني عشرة درجة نصف دائرية، وهو درج فريد بمصر، وجميع مباني الجامع من الحجر؛ عدا القباب والقبوات فهي من الآجر، غير أن الأعمدة التي تحمل القبة الكبرى من الجرانيت، والمسجد مربع يبلغ طول ضلعه حوالي 20.30 مترا، وينقسم إلى قسمين، قسم شرقي تتوسطه قبة كبيرة محمولة على ستة أعمدة، ويوجد بهذا القسم أيضا المحراب الذي هو آية في الروعة والجمال فهو مزخرف بأشرطة رخامية ملونة توضح مدى اتقان الفنان المسلم.

كما يوجد به المنبر الرخامي العثماني الذي يحمل زخرفة دقيقة رائعة، أما القسم الغربي من المسجد فهو الصحن وبه مداخل المسجد الثلاثة، ويتكون من أربعة أروقة مسقوفة بقباب، والقبة الرئيسية منها تعتبر من أندر القباب الموجودة بمصر ويبلغ ارتفاعها 17.6 متر، وقطرها يقدر بـ 12.60 مترا، وتقوم على ستة أعمدة من الجرانيت، ويتصل القسمان الشرقي والغربي للمسجد من خلال ثلاثة أبواب عقدت بعقود قوسية، تشبه عقود مسجد سنان باشا الموجود في حي بشيكتاش بإسطنبول.

كما أن للمسجد منارة عثمانية رشيقة بشرفة واحدة تقع بمنتصف الطرف الجنوبي الغربي من مكان الصلاة، وفي مقابل المنارة توجد حجرة تعلوها قبة.

وواجهات المسجد تسودها البساطة، وكان للمسجد ملحقات متصلة به، وحديقة كبيرة لها سور بأبواب وهذا السور اختفى، ولم يتبق غير باب واحد مطل الآن على شارع الداودية وشارع بوابة القزازين، وهذه الحديقة من المرجح أنها كانت تشمل الفضاء الواقع حول الجامع الآن، فضلا عن عدد من العقارات المحيطة به، أما دورات مياه المسجد والميضة فهي منفصلة عنه، حيث تقع في الجزء الجنوبي الغربي.

والمسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس حتى الآن، يعاني من تشققات بالأسقف والقباب والجدران، كما يعاني من هبوط أرضي منذ زلزال 1992، ولذا فهو يحتاج إلى عناية واهتمام من قبل وزاتي الآثار والأوقاف.. فهل من مجيب؟!

 

0
التعليقات (0)

خبر عاجل