قضايا وآراء

الكراهية

محمد شريف كامل
1300x600
1300x600
لقد فُجع العالم بأسره بتلك الجريمة الإرهابية التي زلزلت أرجاء نيوزيلندا، البلد الصغير المسالم، بل زلزلت تلك الجريمة العالم بأسره. وجميعنا يعرف أبعاد الجريمة وعايش لحظاتها، ورغم بشاعتها تابعها البعض على البث المباشر الذي أنشأه القاتل بنفسه، وهو يتشفى بغليله ممن قتلهم وأمعن في قتلهم.

أولا، لا بد أن نتقدم بتعازينا، تعازي لن تتوقف حتى تتوقف الكراهية، والحقد الذي يملأ العالم، ويغذيه أصحاب المصالح الخاصة وأصحاب الأيديولوجيات المريضة. والتعازي هنا ليست للضحايا الذين قُتلوا داخل المسجد وحسب، ولكنها تعازي موجهة لكل العالم الذي خسر آدميته وملأ الأرض بالكراهية.

عبر العصور، لم تتوقف الاعتداءات على العرب، وعلى المسلمين خاصة، وتعددت أسبابها، ولكن ما يحدث الآن لا مثيل له، فقد استندت تلك الاعتداءات إلى حملة منظمة تربط الحاضر بالماضي وتربط الهجرة بالإسلام، وتربط المشاكل الاقتصادية بالإسلام والهجرة، وتعتمد على سياسيين وإعلاميين يتحركون كلهم في حركة متناغمة وليست عشوائية.

نحو 100 مصل بين قتيل وجريح، خشوعهم لم يزد القاتل إلا إصرارا على جريمته؛ لأنه حُملَ من الحقد والكراهية ما تنوء الجبال عن حمله، من بشاعته وضراوته. وعلى جانب آخر، جاء رد فعل رئيسة وزراء نيوزيلندا مخيب لآمال مروجي الكراهية، فوقفت قويهً معبرة عن قيمة إنسانية عالية، حينما قالت: "إن الضحايا هم أهلنا، وإن القاتل ليس منا ولا يحمل قيمنا". ووقع ذلك على مروجي الكراهية وكأنه خنجر في قلب الكراهية التي تسعى لاعتبار أن العرب والمسلمين هم الغرباء عن الحضارة والقيم.

وانطلق العالم يدين الجريمة، كل حسب درجته.. فمن يحترم آدميته شعر بالاشمئزاز، وأدان الجريمة بأشد ألفاظ الإدانة، أما أشباه الأدميين فإما أهملوا الجريمة ولم تنبت شفاهم بأي كلمة، ومنهم من أدانوا الإجرام في عمومه ولم يسموا الحدث إرهابا، بل ولم يذكروا أن القاتل إرهابي أو أن الضحايا مسلمون أو مسالمون.

فنجد ترامب قد أدان الجريمة التي وقعت في المسجدين، ولم يشر إلى أن الضحايا مسلمون مسالمون، ولم يشر للجريمة كعمل إرهابي، بينما هو يصف أي جريمة أو حتى خطأ من أي مسلم بالعمل الإرهابي. وفي ذات الوقت، أشار إلى أنه لا يرى أن تزايد عنصرية الجنس الأبيض يمثل مشكلة.

وعلى الرغم من أن الوزير الأول في كيبيك أدان الحادث، إلا أنه لم تصله الرسالة الخاصة باعتبار القاتل في جريمة المسجد في مدينة كيبيك هو مُلهم إرهابي جريمة نيوزيلندا، ولم يدرك بعد أن محاولات تقييد حقوق المسلمين في مقاطعته هي من منطلقات الكراهية، وأن الكراهية والتطرف والعداء للإسلام أمر واقع ويزداد بينما هو مُصر على إنكاره، وكأنه من كوكب آخر، ولعله كذلك.

ثم جاء الكلمات المقززة لعضو مجلس الشيوخ الأسترالي، والذي وجه اللوم لانفتاح نيوزيلندا وسياسية الهجرة التي سمحت بزيادة تواجد المسلمين.. كلمات لا فارق بينها وبين تصريحات ترامب التي بنى حملته الانتخابية على الكراهية، ولا فارق بينها وبين تصريحات ماري لوبين، زعيمة اليمين الفرنسي، والكثير غيرهم.

إن الخوض في تصريحات اليمين الغربي المتطرف يطول، ودورهم في تغذية الكراهية لن يتوقف، ولكن في المقابل، ما هو الدور الذي يلعبه زعماء ما تسمى بالدول الإسلامية (وإن كنت أعترض على تسمية أي دولة بمسمى ديني، ولكنهم اختاروا ذلك)؟

ففي مصر، وعلى الجانب الداخلي، نجد السيسي ونظامه يقومان بدور فعال في تغذية الكراهية بين أفراد الشعب المصري، من مسيحيين ومسلمين، حيث يدعو السيسي الجميع لضرورة قتل من يعارضه (الإخوان)، فمن ليس معك فهو ضدك. وليؤكد تحريضه على المسلمين، يدّعي كذبا بأنهم يسعون لحكم العالم، وهم لا يحكمون حتى أنفسهم.

وينتقل السيسي للساحة الدولية ليتحدث عن خطر المساجد في الغرب ودورها في نشر التطرف، فيحث الأوروبيين على مراقبة دور العبادة بل وإغلاقها. ولم أر تلك المساجد في الغرب تنشر إلا الدعوة للسلام والأخوة، وإن كانت مشكلته وأمثاله أن مساجد الغرب تحولت لساحات لرفض الديكتاتوريات العربية، وتتكاثر دعواتها للدفاع عن حقوق الإنسان التي تُنتهك كل يوم على أيدي هؤلاء الحكام.

إن العالم ينقسم إلى عدة قطاعات في تعامله مع خطاب الكراهية، فمنهم من يشجعه ومنهم من يشجبه، ومنهم من يصمت أمامه أو حتى يقلل من أهميته، ولكن ذلك لم يعد كافيا وغير مقبول، فكل منا عليه واجب لمحاربة الكراهية، وذلك يبدأ بالساسة والإعلاميين، مروجي الكراهية، وكل من يصمت عنهم ويتقبلهم.

وعلى جانب آخر، فإن البعض يتجاوز عندما يكون الضحية مسلم، ويبدأ تذكرة العالم بأن هناك من غير مسلمين هم أيضا ضحايا، وأن هناك مسلمين إرهابيين، ويتساءلون لماذا يتعاطف العالم مع الضحايا من المسلمين، وكأننا في سباق مقارنات يتفاخر بأن ضحاياه أكثر. ولا يعلم هؤلاء الحاقدون أننا لسنا طرفي صراع بعدد الضحايا، وأنه لا حقد ولا تشفي في القتل، فكلنا خاسرون، ولن ينجو أي منا من الكراهية، ما لم نتصدى لها جميعا.

إننا لا نواجه أناسا معتوهين أو متهورين، وإنما نواجه أيديولوجية عنصرية لها جذورها وأنصارها.. عنصرية امتدت عبر قرون طويلة، فإن كان القاتل وكل قاتل مثله هو إرهابي، إلا أنه ضحية في ذات الوقت، ضحية من ملأ عقله بخرافات سيادة جنس أو عرق فوق آخر، وضرورة إبادة من يختلف معه، والذي يرونه في الإسلام والمسلمين. ولو عُممت فكرتهم (من ليس معي فهو ضدي)، فلن يبقى على الأرض إلا أطلال!
التعليقات (0)