مقالات مختارة

ثورة الجزائر.. الشعب مقابل الحرس القديم

عادل عبد الله المطيري
1300x600
1300x600

منذ ستينيات القرن الماضي عندما استقلت الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وهناك نخبة سياسية حاكمة تستولي على السلطة ولا تسمح بتداولها، هذه الأقلية الحاكمة يبدو أنها تفاجأت بالحراك السياسي الأخير، لذا حاولت المماطلة وكسب الوقت من أجل إعادة ترتيب أوراقها لمرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة، حتى لا تتقاتل فيما بينها على السلطة فتخسرها، لذلك نجدها تارة تطرح فكرة إعادة ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، وتارة أخرى تسعى إلى تمديد ولايته ولو لعام واحد بالانتخاب، ولكن بعد أن استنفدت كل أوراقها، لعبت على ورقة الفترة الانتقالية، والتي بالطبع سيرأسها بوتفليقة وهم من ورائه.

هناك من يعتقد بأن ما طلبه بوتفليقة في رسالة ترشحه للعهدة الخامسة، عاد وقدمه مرة أخرى، ولكن دون أن يترشح هذه المرة، حيث دعا إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة قد تصل إلى عام كامل، مما عدّه البعض أنه تعطيل لاستحقاق دستوري، والتفاف على مطالب الشعب الجزائري، والتذاكي عليهم لإخماد حماسهم.

الجميع متفق على ضرورة إيجاد فترة انتقالية، وإن تطلّب ذلك فراغاً دستورياً من أجل إعادة ترتيب البيت الجزائري وصولاً إلى الجمهورية الثانية الحديثة، وفق تصورات الشعب الجزائري.. ولكن السؤال الرئيسي المطروح هو: ما شكل السلطة الانتقالية؟ ومن سيشغلها؟ وما هي صلاحياتها؟
الخطوات التي قام بها نظام بوتفليقة لم تشعر المواطن الجزائري بالارتياح، خصوصاً عندما أعاد إنتاج حكوماته السابقة، فجعل وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة نور الدين بدوي وزيراً أول، وعيّن رمطان لعمامرة وزير الخارجية الأسبق نائباً للوزير الأول، مما حدا بالكثيرين إلى القول إنه لا يمكن وصف الحكومة الجديدة بالإصلاحية ولا بالمؤتمنة على القيام بالإجراءات الانتقالية التي يتوخاها الجزائريون.

من الواضح أن الشارع الجزائري مصمم على فترة انتقالية تديرها حكومة خالية من رجالات النظام القديم، وتشكيل ندوة وطنية عامة تقوم بإعداد دستور جديدة يُطرح للاستفتاء العام، ليقرر الشعب مستقبل البلاد.

يخشى الجزائريون من إعادة بعث الأحداث المأساوية، والتي ما زالت في الذاكرة الجمعية للمجتمع الجزائري والمسماة بـ «العشرية السوداء»، حيث شهدت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي أعمال عنف واسعة النطاق، راح ضحيتها 200 ألف شخص، خصوصاً أن رسائل الجيش وقادته بشأن الأحداث الجزائرية الأخيرة، وكأنها موجهة للحراك الشعبي دون النخبة الحاكمة التي تمثل أساس المشكلة الحالية.

فالتحذير من المخاطر الأمنية، وتعهّد الجيش بمواجهتها بكل صلابة، يحتوي تهديداً مبطناً للشعب، مما يُنذر بقرب مواجهات بينه وبين الشارع الجزائري.
وباعتبار أن الجيش الجزائري يهيمن على الحياة السياسية بطريقة غير مباشرة، فلا يسمح بتداول السلطة، بعيداً عن رجالات جبهة التحرير، وجميعنا يتذكر الانقلاب على الرئيس الشاذلي بن جديد 1992، بعد تساهل مع فوز الإسلاميين بالانتخابات، فقام الانقلابيون بإلغاء الانتخابات، تحت شعار حركة «وقف المسار الانتخابي» آنذاك.

لا عجب فهناك مقولة جزائرية مشهورة مفادها أن الجيش الجزائري هو من أوجد الدولة وليس العكس، كما في الدول الأخرى، وبالرغم من أن فيها شيئاً من الصحة، ولكن ليس الجيش الحالي ولا جبهة التحرير الحالية، بل «جيش التحرير الجزائري» المشكّل من المقاومين والمجاهدين من كل اتجاهات المجتمع، قبل أن تستولي عليه القوى الاشتراكية، وتصادر الجبهة والجيش والدولة معاً، وتبعد كل فئات المجتمع المناضل.
ختاماً: اقتبست جريدة اللوموند الفرنسية عنواناً لتغطيتها للأحداث الأخيرة في الجزائر من حديث مواطنة جزائرية استطلعت رأيها الجريدة، حيث قالت ملخصة كل شيء «أردنا انتخابات دون بوتفليقة فحصلنا على بوتفليقة دون انتخابات».

الخلاصة: حجم المظاهرات وسلميتها وتماسك جبهة قوى المعارضة هم الأمران الحاسمان في المرحلة المقبلة، وهما من سيحدان من تصرفات الجيش وقوى النظام القديم.

الخلاصة: مشكلة الشعوب العربية هي أنها عندما تثور يرمي الجيش –مرغماً- الكرة في ملعبها، فتتصارع فيما بينها وتعيد الكرة للعسكر، ليستمر في الحكم مرة أخرى نحن بحاجة لوعي سياسي وثوري لنتغلب على الحرس القديم ودولته العميقة وأساليبه السياسية.

 

عن صحيفة العرب القطرية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل