قضايا وآراء

متحف الجزائر.. وثورات الربيع العربي!

حسين دقيل
1300x600
1300x600
لا أدري؛ أهو أمر متعمد من قبل الأنظمة الديكتاتورية؟ أم هو جهل من بعض أفراد الشعب بتراثهم وتاريخهم؟ أم هو استغلال حقيقي من قلة مندسة تحاول القفز على تلك الهبات الشعبية بدول الربيع العربي لتحقيق مآربها من خلال سرقة وتخريب الآثار؟

ففي يوم السبت (التاسع من آذار/ مارس 2019)، وخلال الاحتجاجات الشعبية الواسعة المناهضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة (قبل إعلانه الانسحاب لاحقا)، شب حريق ضخم بالمتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية في الجزائر العاصمة، وتعرّضت بعض أجنحة المتحف لعمليات تخريب وسرقة لعدد من مقتنياته وإتلاف لوثائق وسجلات نادرة.

هذا بالرغم من أن المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية من أقدم متاحف الجزائر، فقد أنشئ في العام 1897 خلال فترة الاستعمار الفرنسي، بل هو أحد أقدم المتاحف في قارة أفريقيا، وهو يغطي حقبة زمنية تمتد لأكثر من 2500 عام من تاريخ الفن في الجزائر، ويضم آلاف القطع النادرة، ومنها قطعة مصرية مأخوذة من منبر الظاهر بيبرس، الذي وضعه في الجامع الأزهر، كما يشتمل على قطع من عصور ما قبل التاريخ، وقطع أخرى من الحقبة الرومانية.

ولكن ما يثير شكوكنا هو أن التعرض للمتاحف الوطنية والقومية دائما ما يحدث على إثر الاحتجاجات الشعبية، وخاصة في بلادنا العربية، كما حدث من قبل في مصر وسوريا وليبيا واليمن.

مصر:

ففي مصر؛ وخلال ليلة جمعة الغضب في 28 كانون الثاني/ يناير 2011، التي أعلن فيها حسني مبارك نزول الجيش إلى الشوارع المصرية، انتشرت شائعات تقول إن المتحف المصري بالتحرير (الذي يضم أكبر وأهم مجموعة من كنوز الفن المصري القديم) يتعرض للسرقة والنهب، فهرع الثوار إلى المتحف وكوّنوا بأجسادهم دروعا بشرية ليحموا تراث مصر الثقافي، وفي اليوم التالي تحدث زاهي حواس، وزير الدولة المصري لشؤون الآثار حينها، على شاشات التلفاز وهو يطمئن الجميع أن المتحف بخير ولم يُسرق منه شيء، ولكن بعد مرور نحو أسبوعين على تلك الليلة أعلن زاهي حواس نفسه سرقة نحو عشرين قطعة أثرية، منها تمثالان للملك توت عنخ آمون من الخشب المغطى بالذهب، وتمثال من الحجر الجيري للملك أخناتون، وتمثال آخر لزوجته الملكة نفرتيتي، بالإضافة إلى تمثال من الحجر الرملي من عصر العمارنة، و11 قطعة من تماثيل "الأوشابتي" الصغيرة التي كانت توضع مع المتوفى في مصر القديمة.

سوريا:

أما في سوريا؛ فكانت المتاحف أحد أهم ضحايا الاحتجاجات التي عمت البلاد، ففي عام 2011 فقط (أي في العام الأول للثورة) تعرض 12 متحفا للسرقة من جملة 38 متحفا.. ففي متحف حمص؛ أصبحت الكنوز التاريخية كلها على الأرض أو محطمة، وكل التحف والمقتنيات الكبيرة ألقيت في الطرقات، أما  متحف حماة؛ فقد تعرض للعديد من الانتهاكات التي شملت اختفاء تمثال للمعبود (آرامي) وهو تمثال مصنوع من البرونز ومطلي بالذهب، ويعود تاريخه للقرن الثامن قبل الميلاد، في حين أن متحف دير الزور؛ تمركزت فيه قوات من الجيش النظامي، حيث اعتلى القناصة سطحه وانتشرت الحواجز حوله، حتى أن سقف بهو صالات العرض قد تهدم، كما تهشمت معظم النوافذ والأبواب الزجاجية بالمتحف.

ليبيا:

ولم تسلم متاحف ومخازن ليبيا من السرقة والتخريب أيضا؛ فبعد اندلاع الثورة الليبية مباشرة في عام 2011 ازدادت عمليات النهب نتيجة الانفلات الأمني، فحدثت الكثير من السرقات؛ ومن أهمها السطو على كنز بنغازي الموجود في المصرف التجاري، وأربع قطع أثرية من متحف سوسة. ويتكون كنز بنغازي من آلاف القطع الأثرية والعملات المعدنية التي نقلها الإيطاليون إلى بلادهم، وجرى إعادتها إلى بنغازي عام 1961م، والآن القطع الأثرية الليبية تنتشر في 60 متحفا بشتى أنحاء العالم.

اليمن:

وفي اليمن السعيد الذي يوجد فيه 22 متحفا أثريا، دمرت الحرب التي أعقبت الثورة في 2011 عددا منها؛ حيث تم تدمير متحفين خلال وبعد الحرب الحكومية ضد التنظيمات المسلحة في الجنوب عام 2011، فيما دمرت الحرب المستعرة حالياً ثلاثة مخازن في مدينة براقش بمأرب بالإضافة إلى متحفي تعز وذمار. فمتحف ذمار تم قصفه بالطيران وتدميره كليا، ما تسبب بإتلاف أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية، أما متحف تعز الذي نُقلت معروضاته قبل قصفه إلى مخازن آمنة، فقد تم نهبه لاحقاً وما يزال مصيره مجهولا حتى اللحظة.

وبعد أن أوضحنا بشكل موجز وسريع أهم المتاحف التي تعرضت للسرقة والتخريب بدول الربيع العربي، لا زلت أتساءل: ما العلاقة بين الاحتجاجات الشعبية بتلك الدول وبين تدمير متاحفها؟!  علني أجد إجابة مقنعة؛ وما أراني أجد!
التعليقات (1)
متفائل
الخميس، 14-03-2019 08:44 م
يوم تتحقق أمنية الشعوب في الحرية من نير الاستبداد في اصطفاف مدني متفرد أخلاقا وتاريخا ، سوف تعرف الحقيقة كاملة .