سياسة دولية

وثائق سرية تكشف تخوفات بريطانيا من عمليات أمريكا العسكرية

كان فيتو هيث في وجه الولايات المتحدة الأمريكية الأخير من نوعه - جيتي
كان فيتو هيث في وجه الولايات المتحدة الأمريكية الأخير من نوعه - جيتي

كان ملهى "لا بيل" في غرب برلين مقصدا شهيرا للجنود الأمريكيين، وأدى تفجير قام به عملاء ليبيون في العام 1986 إلى مقتل جنديين أمريكيين وامرأة تركية فضلا عن إصابة 229 آخرين.


وكشفت ملفات حكومية بريطانية سرية أفرج عنها الجمعة، كيف سعت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريجان، إلى الانتقام من الزعيم الليبي معمر القذافي بصفته مسؤولا عن الهجوم.


وتوضح الوثائق أن الغارات الجوية على ليبيا أثارت تساؤلات حول ما إذا كان بوسع بريطانيا رفض أي عمل عسكري أمريكي تم إطلاقه من القواعد البريطانية.


ورغم عدم حصول المقاتلات الأمريكية على إذن للتحليق في المجال الجوي الفرنسي والإسباني والإيطالي، سمحت رئيسة وزراء بريطانيا وقتها، مارغريت تاتشر، للقاذفات الأمريكية بالتحليق لشن هجمات على العاصمة الليبية طرابلس.


واضطرت الطائرات الحربية الأمريكية إلى الالتفاف حول المحيط الأطلسي ومضيق جبل طارق، مضيفة أكثر من ألفي كيلومتر إلى رحلتها، وطلبت التزويد بالوقود في الجو لمرات متعددة.


وأنقذت مكالة من رئيس الوزراء الإيطالي وقتها، بيتينو كراكسي، حياة الزعيم الليبي وعائلته، عندما طلب منهم مغادرة محل إقامتهم في مجمع باب العزيزية قبل لحظات من الضربات الجوية.


وقتل 60 ليبيا في الهجوم، وتقول تقرير غير مؤكدة أن ابنة القذافي بالتبني، هناء، قتلت في الهجمات.


وبحسب تقرير لموقع "ميدل إيست آي" ترجمته "عربي21" فقد كانت القاعدة الثابتة للحكومات البريطانية، وجهاز الاستخبارات البريطاني "أم آي 6" على وجه الخصوص، هي البقاء على مقربة من قادة الخليج، أما القادة الآخرون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقد كانت لهم قصة مختلفة تماما.


فعلى سبيل المثال، كان الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، حليفا لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، لكنه بعد أن غزا الكويت في عام 1990 أصبح عدوا للحكومة البريطانية، وكانت الأخيرة متحمسة للمساعدة في الإطاحة به عام 2003.


القذافي كان مثالا آخر، فقد كان زعيما استبداديا، ثم أصبح حليفا للغرب في إطار "الحرب على الإرهاب" ثم عاد عدوا عندما لم يتسجب لمطالب الثورة في 2011، وقمعها بالقوة.


ويتابع الموقع: "في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كان القذافي شخصية شهيرة في المملكة المتحدة حيث قام بتهريب السلاح إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي يقاتل الجيش البريطاني والقوات الموالية له في أيرلندا الشمالية".


وفي العام 1984، قتل عميل للمخابرات الليبية الضابطة البريطانية، إيفون فليتشر، برصاصة من داخل السفارة الليبية في لندن، أثناء وقفة احتجاجية للمعارضة الليبية أمام السفارة، واتهمت بريطانيا عبد القادر التهامي بالحادثة.


لكن الأمور تغيرت لاحقا، عندما استغل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، قرار القذافي بالتخلي عن برنامجه للأسلحة النووية والكيماوية، لتوقيع عقود نفط وغاز مربحة لبريطانيا مع عدوها السابق.


كما لفت الموقع إلى أن الاستخبارات البريطانية ساعدت في القبض على خصوم للقذافي، حيث تعرضوا للتعذيب في طرابلس، وذلك في إطار تبادل المعلومات الاستخبارية.


وفي أغرب المفارقات، تم الكشف عن أدلة لتواطؤ بريطاني في الغارات التي أدت إلى مقتل القذافي عندما دمرت غارة جوية مقرا لجهاز الاستخبارات البريطاني.


ويكشف أحد الملفات المثيرة للفضول في مجموعة الوثائق السرية عن قلق عميق انتاب الجيش الأمريكي بشأن أمن منشأة "مينويث هيل"، في شمال يوركشاير، أكبر مركز للتنصت لأمريكا في أوروبا ، في ضوء الاحتجاجات التي أعقبت تفجيرات طرابلس.


وقال الدبلوماسي البريطاني الكبير، ومسؤول الاستخبارات، بيرسي كرادوك، لمكتب رئاسة الوزارء البريطاني، إن قائد المنشأة كان قلقا بشأن المجتمعات المسلمة في بريطانيا، خصوصا في ليدز.


وأضاف كرادوك بأن قائد المنشأة كان قلقا للغاية عندما مرت سيارة تحمل ثلاثة رجال بملامح شرق أوسطية، لكنه تبين لاحقا أنهم ليسوا من أنصار القذافي، ولم يفعلوا أي شيء مريب.


وتابع الموقع بأنه وعلى غرار جميع القواعد الأمريكي في بريطانيا، تم تعريف القاعدة الأمريكية التي تديرها وكالة الأمن القومي في "مينويث هيل"، على أنها قاعدة بريطانية للقوات الجوية الملكية.


ودار جدال ساخن في مجلس العموم بشأن تفجيرات 1986 وهو ما دفع رئيس الوزراء السابق، إدوارد هيث، إلى الكشف عن أنه اضطر إلى رفض طلب أمريكي إبان حرب 1973 بين إسرائيل ودول عربية باستخدام القواعد الموجودة في قبرص.


وكان رفض هيث جاء ردا على قرار وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، هنري كيسنجر، بوقف التبادل المعلومات الاستخبارية مع بريطانيا بسبب مواقف هيث من السياسات الخارجية الأمريكية.


وفي أحد الوثائق السرية، قال الدبلوماسي البريطاني، كريستوفر مالابي، لمستشار تاتشر للسياسة الخارجية، تشارلز باول، في نيسان/ أبريل 1986 إن الولايات المتحدة ترغب باستخدام قواعدها في بريطانيا لإطلاق رحلات تجسس فوق مناطق الصراع بالشرق الأوسط.


ووافقت بريطانيا على رحلات التجسس بشرط أن تسلم نسخة من المعلومات الاستخبارية التي يتم جمعها إلى بريطانيا، وألا تسلم لأي طرف ثالث، مثل إسرائيل على سبيل المثال.


ورفض الأمريكيون الشروط البريطانية الصارمة، وألغوا رحلات التجسس.


وتابع الموقع بأن ما فعله هيث يقدم دعما لأولئك الذين عارضوا غارات عام 1986، وتكشف الوثائق التي تم إصدارها عن حساسية كبيرة حول قضية ما إذا كانت الحكومة البريطانية تملك استخدام حق النقض، بخصوص استخدام القواعد الأمريكية في بريطانيا، وهو أمر لم يتم حله تماما على الرغم من وجود "قرارات مشتركة".


وفي الوثائق، تثير تاتشر إلى ما وصفته بـ"اتفاق تشرشل ترومان" والذي يقضي بأنه لا توجد أي ظروف يمكن فيها استخدام الطائرات الأمريكية في بريطانيا دون مواقفة على العمليات العكسرية التي تخطط لها الولايات المتحدة".


ونوه الموقع إلى أن فيتو "هيث" كان الأخير، فمنذ ذلك الحين وافقت الحكومات البريطانية المتعاقبة على طلبات أمريكية رسمية لاستخدام القواعد البريطانية، والتعاون الاستخباري.


تساهم وكالة الأمن القومي الأمريكية أكثر فأكثر ماليًا في عمليات جمع المعلومات الاستخبارية، نظرا لأن تقنية التنصت تصبح أكثر تطوراً وتكلفة.


في وثائق أخرى، تكشف الملفات عن دور لمارك، نجل مارغريت تاتشر، في صفقات سلاح بين بريطانيا والسعودية، إذ تشير وثيقة تعود لعام 1994 إلى أن تاتشر كانت راضية تماما عن صفقة "النفط مقابل السلاح" التي عرفت باسم "اليمامة" والتي بلغت قيمتها مليارات الجنيهات الاسترلينية.


والأمر المعروف هو أن توني بلير أوقف لاحقا تحقيقا خطيرا في مكتب مكافحة الفساد، خوفا من غضب السعوديين الذين كادوا أن يوقفوا التعاون الاستخباري مع بريطانيا، وبقيت ملفات مثل تورط مارك في بناء جامعة في سلطنة عمان مغلقة.

ويناقش ملف آخر يعود للعام 1993 "الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط"، ويقول إن "الأموال السعودية الخاصة المتبرع بها لغايات إسلامية، ولمساجد، ومدارس، كانت عاملا مشتركا في معظم منطقة الشرق الأوسط".


ويقول الملف إن السبب الرئيسي لانتشار الأصولية هو فشل الإيديولوجيات السياسية الشيوعية والناصرية والبعثية في حل المشاكل الاقتصادية والفساد الحكومي.


وتم الكشف عن الملفات كجزء من خطة الحكومة البريطانية لتقليل فترة الحظر على الوثائق من 30 عاما إلى 20 عاما.

التعليقات (0)