سياسة عربية

رغم النفي الرسمي.. جدل سوداني حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل

مراقبون: السودان تحاصره دول إفريقية جميعها يقيم علاقات مع إسرائيل- الأناضول
مراقبون: السودان تحاصره دول إفريقية جميعها يقيم علاقات مع إسرائيل- الأناضول

بعد أن انضمت دولة تشاد إلى مجموعة الدول الإفريقية ذات العلاقة المعلنة والمباشرة مع اسرائيل، يجد السودان نفسه بمحاذاة جار جديد من (المطبعين)، ربما يدفع بالخرطوم إلى مقاربات جديدة بشأن علاقتها مع تل أبيب، خصوصا مع تنامي الجدل وسط النخب السياسية، وشيوع أن التردي الإقتصادي والأزمة السياسية وراءه موقف السودان ضد الدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية.

وكان الرئيس التشادي إدريس دبي، وصل الأحد الماضي إلى إسرائيل بعد 46 عاما من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
 
وتشاد التي تجاور السودان من الناحية الغربية، سبقتها في العلاقات مع إسرائيل عدد من الدول الإفريقية المحاذية بريا للسودان في كافة الإتجاهات، من بينها الدولة الوليدة من رحم السودان (دولة جنوب السودان) التي انفصلت عام 2011م، إضافة إلى مصر شمالا، بينما تقع على جهة الشرق دولتا إريتريا وإثيوبيا اللتان تحتفظان بعلاقات حسنة مع تل أبيب.

 

ويعتقد بعض المحللين السودانيين أن انخراط الجار الغربي في علاقة مباشرة مع إسرائيل، يتطلب إعادة نظر في استراتيجية تعامل السودان مع الواقع الجديد في إقليمه المحيط، فيما يرى آخرون أن الوضع يتطلب مراجعة أكثر جرأة في موقف السودان من إسرائيل، رغم شكوك المعارضين من غرض حكومي من هذا التوجه.
 
وفي حديث لـ"عربي21"، لم يستبعد المتحدث باسم حزب البعث العربي الإشتراكي السوداني محمد ضياء الدين أن تلجأ الحكومة السودانية لإيجاد مدخل أولى لعلاقة محدودة تمهيداً وتهيئة للرأي العام السوداني الذي يرفض التطبيع ويناصر القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني في حقه في كامل التراب الفلسطيني.

ويقول ضياء الدين الذي يعارض حزبه الحكومة "إن دولة الكيان الصهيوني قد حققت اختراقا كبيرا خلال العام الجاري في تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية ما شجعها على المضي قدما نحو تحقيق نجاحات على مستوى الدول الأفريقية"، في إشارة إلى زيارة الرئيس التشادي إلى تل أبيب.

 

ويرى أن "تأثيرات دخول إسرائيل الى تشاد يمهد الطريق إلى تغلغل "النفوذ الصهيوني" في القارة الافريقية عبر السودان الذي يعتبر البوابة العربية للدخول إلى القارة السمراء"، وفق تعبيره.

 

نفي رسمي

 

لكن أول رد فعل رسمي للحكومة عبر عنه وزير الإعلام والاتصالات في السودان، بشارة جمعة أرو، قائلا: "إن الساعين إلى تحميل إسرائيل مشكلات المجتمع المحلي من شاكلة انتشار المخدرات، بأنهم مصابون بـ(الفوبيا)".

وقال لدى مخاطبته منشطاً إعلاميا في الخرطوم الإثنين: "إن خلافات الحكومة مع دولة الكيان أيديولوجية ودينية، غير أنه نادى بعدم إدخال العمق السياسي والديني في أمور مجتمعية داخلية".

كما صرح القيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني عبد السخي عباس لوكالة الأناضول التركية أمس الإثنين، مؤكدا أن موقف بلاده "واضح حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويرتبط ارتباطا جذريًا بالقضية الفلسطينية”، لافتا إلى أن "إسرائيل تحتل دولة عربية مسلمة، وتعتدي على المقدسات الدينية، وتمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية".

 

جدل داخلي

 
وعادة؛ فإن جدل الموقف السوداني من اسرائيل يتصاعد في مثل هذه المناسبات لكنه سريعا ما يخفت مع بروز الأحداث المحلية، بيد أن الفترة الاخيرة لوحظ كثافة المناظرات السياسية والإجتماعية حول علاقات السودانية الخارجية وعلى رأسها العلاقة مع اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وحرب اليمن التي تشارك فيها الحكومة السودانية سياسيا وعسكريا ضمن حلف عاصفة الحزم الذي تقوده المملكة العربية السعودية.

وقبل أشهر قليلة، أثارت دعوة مبارك الفاضل نائب رئيس الوزراء السابق إلى مراجعة موقف السودان من اسرائيل موجة من الإنتقادات في السودان وخارجه، إلا أن ما لفت الإنتباه وقتها صمت بقية أطراف الحكومة التي يهيمن عليها حزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير، وهو ما فتح الباب أمام تكهنات المراقبين عن مغزى السكوت عن تصريح مفاجئ لمسؤول كبير بالحكومة.


ومنذ ذلك الحدث، لم يظل موضوع العلاقة مع اسرائيل يراوح خطابات المسؤولين في الحكومة أو المعارضة من حين إلى آخر، ولكن في فترات متقاربة، وكثيرا ما يلقي السياسيون بمن فيهم الرئيس عمر البشير، باللوم على الأجندة الاسرائيلية في الأزمات التي تواجه البلاد، ويذهب سياسيون أكثر من ذلك، ويشيرون إلى دور فاعل لإسرائيل في انفصال جنوب السودان كنتيجة لاتفاقية سلام رعتها الولايات المتحدة الامريكية في كينيا عام 2005 بين الحكومة والحركة الشعبية بزعامة الراحل جون قرنق.

 

"جزيرة معزلة"

 

وتعليقا على هذا الجدل، يدعو المفكر والأكاديمي في جامعة الخرطوم مصطفى نواري في حديث مع "عربي21"، إلى "عدم التعاطي بحساسية سياسية غير موضوعية بشأن العلاقة مع إسرائيل"، ويتساءل قائلا: جميع الدول المحيطة بالسودان أنشأت علاقات مع إسرائيل وقبل ذلك مصر، فهل يترك السودان كجزيرة معزولة أمام أقوى دولة في المنطقة؟

ويضيف نواري: "رغم موقف السودان الصامد في الحق العربي إلا أن الموقف العربي على طول تاريخ المؤامرات الإسرائيلية ضد السودان كان أسوأ من الموقف الإسرائيلي، خاصة دول عربية مجاورة كانت تدعم التمرد بالجنوب في صف واحد مع إسرائيل". 


ويعتقد "أن الوقت قد حان لتغيير الموقف السوداني، بعد أن مرت عقود، وتبدلت المواقف، بما فيها الفلسطينية نفسها، معتبرا أن موقف السودان المعادي لإسرائيل على خطأ يجب معالجته"، وفق تعبيره.

 

ترويج للسردية الصهيونية

 
في المقابل، يقول الباحث في العلاقات السياسية العربيةـ الأفريقية عباس صالح لـ"عربي21" إن "تكالب القادة الجدد في الخليج للإستقواء باللوبيات الصهيونية، فتح الأبواب أمام الكيان الصهيوني للتمدد، والقول للآخرين: "هؤلاء هم العرب أصحاب القضية قد وصلوا لقناعة بأن قضية فلسطين كان عبئا او الفلسطينيين انفسهم قبلوا بدولة "إسرائيل" فما بال الآخرين؟".

 

 
إقرأ أيضا: هآرتس: إسرائيل تسعى لترتيب علاقتها مع السودان لهذا السبب

ويلفت صالح، إلى أن "التوجه الإسرائيلي يستهدف على وجه الخصوص الدول ذات الغالبية الاسلامية الواضحة، ليس بهدف التطبيع فحسب وإنما الترويح لسردية صهيونية جديدة حول قضية فلسطين ليس وسط الحكومات ولكن قطاعات الشعوب لتهدم ما وقر في عقولها لقرون".

ورأى أن "التسريبات عن قرب التطبيع مع هذه الدولة أو تلك، هي إستراتيجية للحرب النفسية، حيث تستغل إسرائيل مآزق الدول وحاجتها للتعامل مع بعض التحديات فتبيع هذه الدول "وهم الأمن، كما حدث مع تشاد ونيجيريا وغيرهما.

ورأى صالح أن إسرائيل "استغلت حاجة تشاد للأمن، وتحاول مد جسور التواصل مع السودان لتعرض عليه مساعدة لوبياتها المتنفذة لاستكمال التطبيع مع واشنطن وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي القضية التي تشغل بال القيادة السودانية اليوم"؟

 

ويضيف إن "الكيان الصهيوني يعدّ السودان بمثابة حجر دومينو، في حال نجح في استدراجه لمصيدة التطبيع، فستنهار تباعا أسس الممانعة والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، لكونه نظام حكم محسوبا على حركات الإسلام السياسي، والتي تعتبر مصدرا للتعبئة لصالح فلسطين ومناهضة الاحتلال الصهيوني لفلسطين".

إقرأ أيضا: ما حقيقة الرغبة السودانية بعلاقات مع إسرائيل؟

التعليقات (0)