كتاب عربي 21

ميراث الأنثى.. أين هو الحل الإسلامي؟!

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
جاء الإسلام والمرأة العربية لا ترث، فورثها، وأفرد لها ذمة مالية مستقلة، ولم يلزمها شيئا من مسؤوليات بيتها المادية، فحررها من سيطرة رأس مال العائل، المتحكم، الذي كان قبل الإسلام يملك تجويعها، إن أراد، فلا دخل لها إلا من الأب وهي ابنة، أو من الزوج وهي زوجة أو من الابن الذكر، حال غياب زوجها، وهي أم!

ويبدو لنا من استقراء حالات الميراث المختلفة في التشريع الإسلامي؛ أنه لا اعتبار لجنس الوارث في تقدير نصابه في (أغلب) حالات الميراث، ولا يوجد تربص بالأنثى فقط لكونها أنثى، بدليل أنها ترث أحيانا مثل الرجل، وأحيانا أكثر منه في بعض الحالات، وذلك وفقا لاعتبارات أخرى غير جنسها!

في كتابه "التحرير الإسلامي للمرأة"، يخبرنا الدكتور محمد عمارة، المفكر الإسلامي الكبير، أن التفاوت في أنصبة الوارثين والوارثات في فلسفة الميراث الإسلامي؛ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
لا يوجد تربص بالأنثى فقط لكونها أنثى، بدليل أنها ترث أحيانا مثل الرجل، وأحيانا أكثر منه في بعض الحالات، وذلك وفقا لاعتبارات أخرى غير جنسها

أولها: درجة القرابة بين الوارث (ذكرا أو أنثى) وبين المورث (المتوفى)،فكلما اقتربت الصِّلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت الصِّلة قل النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.

وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها عادة مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن ذكورة وأنوثة الوارثين والوارثات؛ فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه، وكلتاهما أنثى. بل وترث البنت أكثر من الأب، حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، والتي تتفرد البنت بنصفها! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب، وكلاهما من الذكور. 

وثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين. ويعلق الدكتور عمارة هنا قائلا: "وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتا بين الذكر والأنثى".

ويرى عمارة أن الإسلام بهذه التفرقة أنصف الأنثى وجبر كسر استضعافها، إذ إنه كلّف الذكر في هذه الحالة بكل الأعباء فيما ورثها نصف ما ورثه دون أي عبء أو إنفاق أو مسؤوليات مادية، وبذا يصبح ما يتبقى لمدخرات الأنثى أكثر بالضرورة مما يتبقى للذكر بعد وفائه بمسؤولياته كافة.

والحق، أن التشريع الإسلامي، وفقا لهذا الشرط الأخير، تشريع عادل ومنصف، إلا أن المشكل الذي "يكابر" فيه أغلب فقهائنا التقليديين (اليوم) هو أن "الواقع" الذي نعيش فيه لم يعد "يسمح" بانسحاب الأنثى، زوجة وأما، من مسؤوليات البيت والعائلة، بل ومسؤولية الإنفاق على الزوج نفسه أحيانا، في زمن الرأسمالية المتوحشة التي يعاني معها أغلب الموظفين والعمال، في العالم كله، من أزمة عدم الاستقرار الوظيفي، فأين هذا الزمان ومقرراته وإكراهاته من زمان كان الزوج فيه هو رب البيت المتكفل بكل أعبائه المادية؟ وأين امرأة الأمس "ست البيت" من امرأة اليوم، الزوجة والأم وربة المنزل والموظفة ومدرسة الأولاد، والمربية، تلك التي تضطلع بأعباء يومية تساوي أعباء الرجل بل تفوقها في أغلب الأحيان.
أين هذا الزمان ومقرراته وإكراهاته من زمان كان الزوج فيه هو رب البيت المتكفل بكل أعبائه المادية؟ وأين امرأة الأمس "ست البيت" من امرأة اليوم، الزوجة والأم وربة المنزل والموظفة ومدرسة الأولاد، والمربية

المشكلة واضحة، وعميقة، تضرب مجتمعاتنا، وتجعل من حصول أنثى تشترك مع الذكر في درجة القرابة والجيل على نصف ما يحصل عليه هذا الأخير؛ "ظلم" لا يتناسب مع الأعباء المتساوية التي تفرضها الحياة على كل منهما.

لا يوجد حل لدى فقهاء التقليد، كما أنهم بما يملكون من سلطة دينية يحولون دون اجتراح هذه المساحة ومحاولة الاجتهاد مع النص وفقا لمعطيات الواقع، أو البحث عن مخرج، ولو بشكل مؤقت، ويرفضونها تماما، ويحاربونها بضراوة، ويتهمون أصحابها باتهامات تصل إلى الكفر والانسلاخ عن الملة؛ لمجرد محاولتهم أن يجدوا حلا يتوافق مع "العدل" الذي يأمر به الله جل وعلا، الذي هو القيمة المركزية في الإسلام، والذي هو غائب في معادلة ميراث "عربية" لحياة رسملتها "العجمة"!

في مناقشة حول المشكل، إبان تصريحات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بضرورة تقنين المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، قلت إن "الوصية" قد تصلح مخرجا شرعيا من الأزمة، وتمنح الأب، أو المورّث، في حياته فرصة للتقييم، فإذا وجد أن ما يقع على ابنته من أعباء يستحق معه أن تتساوى بإخوتها الذكور وصى لها، بما يضمن التساوي، أو الاقتراب، إلا أن أحدهم بادرني بالحديث: "لا وصية لوارث"، وهو الحديث الذي جرى إقراره، وانسياق منظومة المعرفة الإسلامية الأصولية في مسألة الوصية إليه، والبناء عليه، رغم تعارضه الواضح مع القرآن الكريم: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ "وَالأَقْرَبِينَ" بِالْمَعْرُوفِ، حَقّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، بدعوى أن هذه الآية الكريمة نُسخت بآيات المواريث! وهو الرأي الذي وجدته عند أكثر التقليديين تعقلا ومراعاة للواقع، (القرضاوي نموذجا!).
ليس على النص مسؤولية إصلاح الواقع، إنما على الواقع أن يبحث بنفسه عن حل لمشكلة النص!

إن هذا التعنت الواضح في التعامل مع المشكل، وإغلاق كل الأبواب أمام محاولات التعامل معه من خارج منظومة الأصولية الإسلامية (أو من داخلها)، والإصرار على إخضاع واقع متغير إلى فهم حرفي نصوصي ثابت، يفتح الطريق أمام التفلت من سلطة النصوص إلى القوانين الوضعية الأكثر واقعية، وآسف أن أقول "والأكثر إنسانية" في سياق كهذا، وهو الأمر الذي يبدو لي أنه لم يعد يشغل فقهاءنا كثيرا، فمن أراد "جنتهم" فعليه أن يقبل "أحكامهم"، ولو تجاوزها الزمن وفقدت دورها الوظيفي وتحولت إلى محض "تعسيف"، لا عدلا ورحمة وإنصافا للبشر وإصلاحا لأحوال معاشهم، فليس على النص مسؤولية إصلاح الواقع، إنما على الواقع أن يبحث بنفسه عن حل لمشكلة النص!.. تعبنا.
التعليقات (5)
مريم
الخميس، 23-07-2020 05:44 م
انا لدايا كفلة و مات ابي اللذي كان يتكفل بي ارحمه الله و بعد زوجته طردتني إلى الشارع ولم ارث شيئا معا العلم كان لباس عليه اما ابن متبني اخد كلا شيء أن في عمري 33 سنة بدون زواج و لا بيت ولا مستقبلا مدا تقول على هذآ الضلم من فضلك
احمد علي عبدالعظيم
الثلاثاء، 04-09-2018 03:08 ص
هل لك علم شرعي لكي تطعن في حديث لا وصية لوارث هل الله انزل احكامه لمجتمعات بعينها والاسلام رسالة عالمية وهل لم يكن الله يعلم ان هذا سيحدث وهل ضمير الاب الذي خالف شرع الله سيكون اعدل من الله عز وجل بل واحكام الاب اكثر انسانية من حكم الله افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما حسبي الله ونعم الوكيل في كل من يطعن في شريعة البارئ سبحانه وتعالى
د محمود
السبت، 25-08-2018 04:52 ص
طيب ياريت تتواصل مع القرضاوى أو عماره ..وتشوف رأيهم فيما تقول ثانيا -وللأسف كالعادة- يتم الغمز واللمز فى العلماء من قبل المثقفين!!، فتجد كلمة "التقليديين" ، و"التعنت" ، و"التعسيف"، "فهم حرفى للنصوص" ..و "الأصولية الاسلامية" وأخبث من ثانيا هو ثالثا: حيث قولك "من أراد "جنتهم" فعليه أن يقبل "أحكامهم""..الجنة جنة الله ، والأحكام هى لله ، وما يصدر عن العلماء هو محض فتوى وليس أحكام رابعا: قولك "القوانين الوضعية الأكثر واقعية، وآسف أن أقول "والأكثر إنسانية"" هذا قول نسمعه كثيرا وفى سياقات كثيرة وليست فى هذا السياق فقط كما تقول ..فماذا عن جلد الزانى والزانية وعلى مشهد عام ؟؟ أترونه إنسانية ، خصوصا وأن الزنى يتم بالتراضى بين طرفين عاقلين بالغين !!!؟؟ ..وماذا عن قطع يد السارق ،أهذا واقع أو هذه إنسانية؟؟ خامسا: دعاوى الانسانية والواقعية والرحمة والعدل ..هذه دعاوى نسبية ، لكنكم أنتم معشر المثقفين والنخب تفهمون الواقع أكثر من علماء تقليديين ، لا يعرفون إلا حرفية النص..وطبعا تفهمون أكثر منا نحن الرعاع المغيبين سادسا: هذه الواقعية الرأسمالية البائسة هى من إفرازات الابتعاد عن الاسلام ، فلماذا تريدون تحريف الاسلام كى يحل لكم مشاكل واقعكم..تحضرنى الآن مقالة: خذوا الاسلام جملة أو اتركوه جملة ، أو مقالة: طبقوا الإسلام أولا قبل أن تستفتوه لحل مشاكل واقعكم البعيد عن الإسلام. أخيرا: لم أعرف قولك: والذي هو غائب في معادلة ميراث "عربية" لحياة رسملتها "العجمة"!
كامل عبد الرحمن
الجمعة، 24-08-2018 10:58 م
يا استاذ محمد الشريعه الاسلاميه تقود ولاتنقاد لواقع معين .والحرص علي تحقيق العدل يقتضي تعديل مظالم الواقع لاتعديل الشريعه
تحسين
الجمعة، 24-08-2018 07:27 م
التوانسة - بعضهم - كالسبسي صليبيين بحت!. مجرد عرض ومناقشة شرع قرآني هو خروج عن الايمان فهو التشكيك بان رب العالمين جل وعلا غير عادل وأن الانسان هو الفهيم وعليه اصلاح الأديان وهذا ما فعله اليهود سابقا حيث يقولون أنهم كانوا يجادلون رب العالمين عندما كان ينزل لهم وكانوا يربحونه في بعض الأمور!!!!!! سبحانه وتعالى عما يشركون. الجميع يعرف ما هو الصح وما هو الخطأ ولكن لأسباب صليبية يطلقون عليها ديمقراطية لخلع المسلمين عن دينهم - وهم على كل حال غثاء سيل لا قيمة لهم اطلاقا - في سبيل ارث ما والسؤال كم عدد الموؤرثين الذين يتركون ثروات ليتجادل حولها الورثة؟؟؟. شعوب العالم الثالث وخاصة الشعب التونسي الأكثرية العظمى فقير جدا ليس له قوت يومه فما له بهذا العلاك المصدي؟؟؟. حكام صعاليك وسياسيون مثلهم وشعوب مغلوب على أمرها وبني صليب يسرحون ويمرحون وسنسمع الكثير الكثير مستقبلا!!!! فلا تعتقدون أن رب العالمين غافل عما يفعلون ولكنه جل وعلا أقسم أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين. ربنا لا تجعلنا مع الصعاليك وان شاء الله ثابتون على دينك وسراطك المستقيم.

خبر عاجل