صحافة دولية

فيلت: ما هدف أردوغان الحقيقي وراء تصعيد الصراع مع ترامب؟

تتضمن تهديدات ترامب رسالة مفادها أن الولايات المتحدة مازالت قوة مؤثرة في الشرق الأوسط- جيتي
تتضمن تهديدات ترامب رسالة مفادها أن الولايات المتحدة مازالت قوة مؤثرة في الشرق الأوسط- جيتي

نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على الأزمة التي بدأت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تبدو تركيا هذه المرة أكثر عدائية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تركيا تعول في سياستها الحالية في الشرق الأوسط على ضعف الموقف الأمريكي. وقد أكد مستشار الرئيس التركي، جميل أرتيم، أن الولايات المتحدة ترغب من خلال الضغط على تركيا في اختبار مدى تأثيرها في هذه المنطقة الساخنة.

 

وتعقيبا على عقوبات الولايات المتحدة، قال أرتيم إن الإدارة الأمريكية يجب أن تدرك أن العالم لم يعد مثلما كان سابقا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الصراع ظاهريا يتعلق بالقس الأمريكي المحتجز حتى الآن في تركيا، أندرو برونسون، الذي سجن لمدة سنتين وسعت إدارة ترامب لإطلاق سراحه من خلف الكواليس.

 

وبعد أن أطلق سراح القس، وضع قيد الإقامة الجبرية في تركيا، لذلك تعالت الأصوات الأمريكية المنادية بفرض عقوبات على تركيا. وبالفعل، أمرت الإدارة الأمريكية بتجميد بعض أصول وزيري الداخلية والعدل التركيين.

وقد صرح أرتيم بأن الأمر لا يتعلق بالقس الأمريكي وإنما بالطرف الأقوى سلطة. فالولايات المتحدة لا زالت تتعامل بحماقة شديدة، ظنا منها أن العالم مازال يقوم على القطبية، مثلما كان أثناء وبعد الحرب الباردة، ولكن يبدو أنها غير مدركة أنه أصبح متعدد الأقطاب، حيث تتغير فيه موازين القوى باستمرار.

وأفادت الصحيفة بأن الأتراك احتجزوا القس الأمريكي من أجل الضغط على الولايات المتحدة لتسليم فتح الله غولن، على خلفية تخطيطه لمحاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016.

 

ومن بين الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تفرض عقوبات على وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، تصريحه بأن تركيا "ستحضر" غولن من الولايات المتحدة.

ونوهت الصحيفة بأن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا، مرتبطة بزيارة الجنرال الأمريكي والقائد العام في حلف الناتو، كورتيس سكاباروتي، لأنقرة لتباحث الملف السوري، حيث تتصادم المصالح الأمريكية والتركية.

 

وتتضمن تهديدات ترامب رسالة مفادها أن الولايات المتحدة مازالت قوة مؤثرة في الشرق الأوسط.

وأوضحت الصحيفة أن أردوغان يتميز بأسلوبه الدفاعي والهجومي في نفس الوقت. ويتمثل أسلوب أردوغان الدفاعي في السعي لمنع إقامة منطقة حكم كردية مستقلة في العراق وسوريا، بينما يكمن أسلوبه الهجومي في الرغبة في استعادة تأثير الدولة العثمانية في المنطقة.

كما تطمح تركيا لأن يكون لها الكلمة العليا في سوريا والشرق الأوسط، بيد أن هذا الطموح يصطدم بكل من روسيا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وتريد تركيا على المدى البعيد أن تتفوق على الجميع، لذلك يمثل استفزازها للجهات الفاعلة في المنطقة طريقة لقياس قدراتها وردود أفعالها.


اقرا أيضا :  أردوغان: واشنطن تهددنا بعقلية إنجيلية صهيونية ونرفض ذلك


ونقلت الصحيفة عن مستشار أردوغان، جميل أرتيم، أن الحكومة التركية تعتقد أن إيران هي العائق الوحيد أمام النفوذ التركي في المنطقة، بسبب تواجدها القوي في العراق وسوريا.

 

أما بالنسبة للولايات المتحدة فنفوذها في تضاؤل مستمر، بسبب انخفاض حصتها في الاقتصاد العالمي، فضلا عن أنها أصبحت مثقلة بالديون، بينما بدأت عملتها تفقد أهميتها في التجارة العالمية.

وأبرزت الصحيفة أن روسيا موجودة بالفعل في المنطقة، ولكن من المرجح أن يتبدد تأثيرها بمجرد خروج بوتين من الرئاسة.

 

ولا تمثل روسيا قوة اقتصادية كبيرة مثل الولايات المتحدة، وجل ما تستطيع فعله هو التدخل العسكري الذي يكلفها الكثير من الأموال.

أما بالنسبة لإيران، فلطالما كانت الند القوي للأتراك على مدى قرون في المنطقة، وقد دارت بينها وبين الدولة العثمانية العديد من المعارك.

 

وفي الوقت الحالي، تسيطر إيران على العراق بصفة غير رسمية، ناهيك عن أنها تتحكم في مجريات الأحداث في سوريا ولبنان، بينما تفقد نفوذها فعليا في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الأكراد.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأكراد هم مصدر المشكلة بين الولايات المتحدة وتركيا، لأنهم يعتبرون الحليف الأقوى لواشنطن في المنطقة، التي تسعى بدورها إلى توسيع نفوذهم في سوريا.

 

في المقابل، ترى تركيا أن الأكراد يهددون أمنها القومي، لذلك ترغب في أن يكون هذا الكيان خاضعا لها.

وذكرت الصحيفة أن تركيا قادت عملية عسكرية شمال سوريا وسيطرت على مدينة عفرين الكردية، وأقامت نحو 12 قاعدة عسكرية في مدينة إدلب شمال سوريا، الخاضعة لسيطرة المعارضة.

 

وتجدر الإشارة إلى أن نظام الأسد قد تمكن من استعادة كامل سيطرته على سوريا، باستثناء المنطقة الشمالية، التي يسيطر عليها الأكراد والولايات المتحدة.

وبعد أن أعلن الأسد عن استعداده لاقتحام إدلب، هددت تركيا بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في سوريا، مشيرة إلى أنها ستهاجم بعض المناطق التي يسيطر عليها الأمريكيون والأكراد.

 

وتعتقد أنقرة أن إيران وروسيا لن تتدخلا في حال تعرضت القوات الأمريكية أو الميليشيات الكردية التابعة لها للهزيمة في سوريا. ولكن مما لا شك فيه، تمثل الخطوة القادمة، سواء هجوم النظام السوري على إدلب أو هجوم تركيا على القوات الأمريكية، مخاطرة كبيرة قد تنهي طموح أنقرة السياسي في المنطقة.

ونوهت الصحيفة بأنه من المحتمل أن يكون للهجة التصعيد التركية ضد الولايات المتحدة عواقب أخرى.

 

اقرا أيضا : تركيا توضح إمكانية تأثير التوتر مع أمريكا على تفاهمات منبج

 

فعلى الرغم من أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على تركيا ليست ذات أهمية كبيرة، إلا أنها ستلقي بظلالها على قيمة الليرة التركية. وفي حال أقرت لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس مشروع قانون يلزم ممثلي الولايات المتحدة في البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية بخفض درجة الائتمان لتركيا، سيكون ذلك بمثابة ضربة موجعة للاقتصاد التركي.

وأوردت الصحيفة أن تركيا تسعى لشراء أنظمة دفاع جوي روسية من طراز "إس-400"، وستمنح روسيا ترخيص بناء مفاعل نووي على أراضيها.

 

كما وعدت أنقرة بالقضاء على المتطرفين في إدلب، لدحض أي ذريعة لتدخل القوات السورية في المدينة. ولا ترغب روسيا في الوقت الحالي في تنفيذ أي هجوم في إدلب، في حين توقفت تركيا عن تهديد الأكراد في منبج.

وفي الختام، أكدت الصحيفة أن تركيا تشعر أنها في موقع قوة، وهي تتبع سياسة الصبر وتحاول استغلال كل نقاط ضعف الأطراف الفاعلة، بهدف اتخاذ خطوة جديدة نحو بسط نفوذها في المنطقة. ويبحث أردوغان حاليا عن نقطة ضعف الولايات المتحدة، ولازال ترامب يقاوم.


التعليقات (0)