قضايا وآراء

حكومة مودي بين تراجع البريق وغياب البديل

محمد مكرم بلعاوي
1300x600
1300x600

ناقش البرلمان الهندي يوم الجمعة الماضي اقتراح حجب الثقة عن حكومة ناريندرا موديوالذي تقدم به حزب Telugu Desam Party (TDP) وهو الحزب الحاكم لولاية أندرا براديش(AP) وهي إحدى كبرى الولايات في الهند، وحشد خلف القرار مجموعة من الأحزاب الأخرى وعلى رأسها حزب المؤتمر الهندي أعرق الأحزاب الهندية، تحت رئاسة راهول غاندي، وهو اقتراح حجب الثقة الأول منذ خمسة عشر عاماً والسابع والعشرين الذي يشهده البرلمان الهندي منذ تأسيسه علماً بأنّه قد أخفق بسبب عدم تمكن المعارضة من جمع الأصوات الكافية، وكانت النتائج 126نائباً مع القرار، و325 نائباً ضده،أمّا باقي أعضاء البرلمان فقد قاطعوا الجلسة.


والجدير بالذكر أنّ المعارضة كانت قد حاولت سابقاً أن تطرح الثقة في الحكومة إلا أنّ رئاسة المجلس (راج صبحا) قد رفضته، وقد فُهم من قبول رئاسة المجلس للمشروع هذه المرة بأنّ الحزب الحاكم (BJP) مستعد للمواجهة ويرى فيها فرصة كي يهزم المعارضة هزيمة منكرة في البرلمان من أجل أن يستخدمها للترويج لنفسه بين يدي الانتخابات العامة والتي ستجري العام القادم 2019م.


غير أنّ الرياح لا يبدو أنّها قد جاءت بما تشتهي سفن الحزب الحاكم، فصحيح أنّ المعارضة لم تستطع أن تسقط الحكومة وهو دون شك إنجاز كبير للحكومة ودلالة على قوتها، غير أنّ الدعاوى التي طرحتها قد رفعت منسوب المعارضة الشعبية أو رفعت صوتها، بشكل لا بد أنّه سيؤثر سلباً على شعبية الحزب الحاكم، وأهم ما طرحته المعارضة:


1.تهرّب الحكومة من الوفاء بوعودها لحكومة ولاية اندرا براديش بإعطائها ميزات ولاية ذات وضع خاص، مما أدى إلى تراجع التنمية في الولاية.

2.تحميل الحكومة مسؤولية التباطؤ الاقتصادي الذي شهده الإقتصاد الهندي.
3.رفع صوت الفلاحين الذين تعرّضوا لأضرار كبيرة نتيجة سياسات الحكومة.
4.تحميل الحكومة المسؤولية عن الأضرار التي مسّت محدودي الدخل والاقتصاد نتيجة لقرار الحكومة مصادرة العملة (demonetisation) واستبدالها فجأة بقطع عملة جديدة ذات مواصفات خاصة، تحت دعوى محاربة المال الأسود "" والتي أدت نتيجة لنقص الاستعداد، إلى فقدان النقد من الأسواق والتأثير على التجارة خصوصاً بيع التجزئة.
5.اتهام الحكومة بالتغطية على جرائم القتل خارج القانون التي تقوم بها جماهير غاضبة ضد بعض المسلمين، واتهامها بالتقصير في إنفاذ القانون وحماية النظام.
6.اتهام الحكومة بالفساد وخصوصاً في صفقات تجارة السلاح الدولية.
7.اتهام رموز الحزب الحاكم بالفساد وخصوصاً الأمين العام للحزب والرجل الثاني فيه أميت شاه، والزعم بأنّ ابنه ضاعف ثروته ست عشر ألف مرة خلال أربع سنوات.


ولعل من أهم ما لفت الانتباه أنّ الائتلاف الانتخابي المكون من 28 حزباً والذي قاد حزب BJP إلى سُدة الحكم قد أخذ بالتفكك، إذ قاطع التصويت كل من حزب Biju Janta Dal (BJD)وحزب شيف سيناShiv Sena وحزبAll India Anna Dravida Munnetra Kazhagam (AIADMK)، وهو مؤشر غاية في السلبية، فمن الأساليب التي اتبعها الحزب الحاكم لتحقيقه شعبية غير مسبوقة منذ 30 سنة، في الانتخابات الأخيرة عام 2014م، كان استقطاب الأحزاب الصغيرة والولائية، والشخصيات المؤثرة في الأحزاب الكبيرة.


هناك قناعة بدأت تتعاظم وسط النخب العلمانية أنّ الحزب الحاكم، والذي يعتبرونه الذراع السياسي لحركة (RSS) القومية المتطرفة، يريد تغيير طبيعة الهند من مجتمع متعدد منفتح إلى دولة هندوسية إقصائية، ما يعني نهاية الهند كدولة ديمقراطية عصرية والدخول في حالة صراع داخلي دامٍ مع الأقليات الكبيرة وعلى رأسها المسلمين، وتهديد حرية التعبير والعمل السياسي والاجتماعي، بل للنظام السياسي برمّته.


وقد جاءت هذه الاحتجاجات من قضاة في المحكمة الدستورية، ومفكرين وسياسيين وفنانين وأعضاء بارزين سابقين في الحزب، منهم على سبيل المثال السياسي المعروف وزير المالية ووزير الخارجية الأسبق "ياشونت سينها" والذي نشر مقالاً في إحدى الصحف مؤخراً وضع فيه وصفة انتخابية فعّالة لهزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة، كما ظهر تسجيل للمثقف والقيادي البارز في حزب المؤتمر "شاشي ثورور" يتحدث فيه عن نية الحزب الحاكم تغيير الهند وهويتها من خلال تغيير الدستور في البرلمان، لتكوين هند وفق رؤية الآباء المؤسسين لحركة RSS والتي تُعرّف الهند كوطن للهندوس، مما يجعل غير الهندوس غرباء في بلدهم.


يترافق ذلك مع نزع جنسيات الملايين من الهنود المسلمين في ولاية "آسام" حيث أقامت الحكومة هناك لجان للتحقق من أصول السكان، وكل من يفشل بإثبات أنّ جذوره تمتد في الولاية تنتزع منه الجنسية بحجة أنه بنغلاديشي وعليه أن يعود إلى بلده.


هذه الأحداث وغيرها وخصوصاً القتل الجماعي التي تستهدف مسلمين بدعوى ذبحهم للأبقار أو أكلهم أو نقلهم لها، أصبحت كثيرة ومتكرّرة، مما أثار الذعر في صفوف المسلمين والأقليات الأخرى وهو ما يمكن أن يتبعه ردات فعل قد يكون بعضها عنيفاً، ما يمكن أن يقود إلى تفكك بنية المجتمع الهندي وتقويض النظام العام كما يحذر كثيرون، ونهاية أحلام الهند بدولة الرخاء والقانون.


في المقابل فإنّ حزب BJP ما زال وسيبقى في المستقبل المنظور الحزب الأقوى والأكثر شعبية في الهند حتى ولو خسر التحالف الذي وقف إلى جانبه في الانتخابات السابقة، ويدعم موقفه غياب الشخصية الجامعة على المستوى المعارضة والتي يمكن أن تشكّل بديلاً لشخصية ناريندرا مودي رئيس الوزراء الحالي، وتفككها، فهي وإن استطاعت هزيمة التحالف الحاكم فلن يكون من بينها حزب وحيد أكبر من حزب BJP علماً بأنّ الحزب الوحيد الذي يمكن أن يقوم بذلك هو حزب المؤتمر والذي يعاني من انخفاض شعبيته، وفقدان القيادة القادرة على الإطاحة بحزب قوي مثل BJP ولديه قاعدة آيدولوجية متمثلة بكوادر RSS وطيف واسع من الهندوس الذين يعتقدون أن الحزب الحاكم يمثل مصالحهم ورؤيتهم للهند كوطن ودولة.


إذن لماذا يمكن أن تكون هذه الخطوة غير الناجحة هامة ومؤثّرة في السياسة الهنديّة؟ يمكن القول أنّها أشّرت إلى بداية عهد جديد وهو نزول الحزب الحاكم عن الذروة، وبداية انحدار ربما يكون سريعاً خصوصاً إن حصل انفضاض للأحزاب الولائية والشخصيات المؤثرة التي اكتسبها ونجمه يصعد سريعاً خلال الانتخابات الماضية وهناك مؤشرات واضحة بهذا الاتجاه، ما يعني أنّ الهند قد ترجع إلى حالة سياسيّة أكثر مرونة ومواتاة للأحزاب الصغيرة والأقليّات التي تخشى تغوّل الأغلبيّة على حقوقها في ظل حكم أغلبيّة قوميّة، ويعني أيضاً أنّه في حال رجوع الحزب الحاكم إلى السلطة في المرة المقبلة فلن يكون بنفس القدر من القوة وستكون قدرته على الاستمرار بسياساته أقل، فضلاً عن أن يميل نحو التشدّد أو التقدم بسياسات خلافيّة.


1
التعليقات (1)
د/رضوان أحمد رفيقي
الأربعاء، 25-07-2018 09:15 ص
مقال ممتاز، ويبدو أن المحرر لديه ثقافة ممتازة وخلفية كبيرة عن الهند وسياستها. مع أنني من الهند ولكن هذا المقال قد أضاف بما لم تستوعب الجرائد المحلية