مقالات مختارة

فلسفة نظام

أسامة عجاج
1300x600
1300x600

شكلاً، فإن قرارات الحكومة المصرية السابقة أو الحالية، برئاسة مصطفى مدبولي، برفع أسعار المحروقات في مصر، في ثاني أيام عيد الفطر المبارك، تأتي في إطار تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، في مقابل حصولها على قرض بـ 12 مليار دولار، وهو الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2016، ولكن القراءة المتأنية للقرارات، التي يتم اتخاذها برفع الدعم على السلع والمنتجات، بدأت منذ أربع سنوات، وتحديداً منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئاسة في مصر، تعبيراً عن فلسفة نظام، وأفكاره، ومعتقداته التي عبر عنها مؤخراً بانتقاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات -رغم إعجابه به- في تراجعه عن قرارات اتخذها في يناير 1977، برفع أسعار الخبز، نتيجة تقليل دعم الدولة، مما أسفر عن احتجاجات واسعة، كادت تؤدي باستقرار وأمن مصر، رغم أنه كان يتعامل في ذلك الوقت ليس كرئيس فقط، ولكن كزعيم للحرب والسلام، انتصر على الإسرائيليين في حرب أكتوبر المجيدة، كما أنه -الرئيس السيسي- أعلن مؤخراً تحمله شخصياً مسؤولية كل القرارات التي تم اتخاذها في فترة رئاسته، والخاصة بالإصلاح الاقتصادي، ناهيك عن أفكار تم التعبير عنها صراحة في التسريبات الشهيرة، بأنه لو كان المسؤول عن حكم مصر -يومها كان وزيراً للدفاع- فإن تكلفة مكالمة المحمول سيدفعها المتصل والمتلقي، كل على حده، وكذلك عن اعتقاد بأن الشعب المصري تم «تدليله» بما فيه الكفاية، من كل الحكومات السابقة، وجاء الوقت الذي عليه أن يدفع ثمن الخدمات الأساسية. 


والعجيب أن الحكومة لم تفاجئ المصريين بالزيادات الأخيرة، التي بدت متوقعة مع بداية العام المالي الجديد من كل عام، والذي يبدأ في يوليو، وسبقتها بحملة دعائية واسعة، تدافع وتبرر قراراً منتظراً أعلنته، وهو الزيادات الجديدة في أسعار الوقود، وهو القرار الثالث بزيادة الأسعار خلال أسابيع قليلة، بعد ارتفاع تكاليف الكهرباء، وثمن تذكرة مترو الأنفاق، الأمر الذي يمثل ضغوطاً على الطبقات الوسطى والدنيا التي تعاني منذ 2016 من ضغوط تضخمية. الزيادات تتراوح بين 17.5 % و66.6 %. واشتملت على رفع سعر السولار، الذي يعد وقود وسائل النقل الرخيصة التي تعتمد عليها الفئات محدودة الدخل، والذي زاد بنحو 52 %، وأسطوانة البوتاجاز التي تمثل وقود المنازل لشرائح واسعة من محدودي الدخل أيضاً، ارتفع سعرها الرسمي بنحو 66 %، بجانب زيادة أسعار بنزين 92 وبنزين 80 وغاز السيارات، والمازوت للصناعة باستثناء الصناعات الغذائية والكهرباء والإسمنت. كما أعلنت الحكومة عن زيادة تعريفة ركوب وسائل النقل الرخيصة (السرفيس)، والمرتفعة التكلفة (التاكسي) بما يتراوح بين 10 - 20 %، وهي الزيادات الرابعة منذ يوليو 2014، كما أعلنت في العام ذاته عن خطة للتحرير التدريجي لأسعار الكهرباء.


وتأتي تلك الإجراءات ضمن برنامج اقتصادي تتبناه الحكومة، يهدف للوصول بأسعار الطاقة، لتكلفتها الحقيقية، والحد من عجز الموازنة. هذه الإجراءات انعكست بقوة على تكاليف المعيشة للقاعدة الواسعة من المصريين، حيث زادت أسعار السولار خلال تطبيق هذا البرنامج الاقتصادي بنحو 400 %. وفي مايو الماضي رفعت مصر أسعار تذاكر شبكة مترو الإنفاق في مصر، بمعدلات تصل إلى 250 %، ثم أعلنت هذا الشهر عن زيادات في أسعار الكهرباء، على مختلف شرائح الاستهلاك بمتوسط 26.6 % خلال السنة المالية التي تبدأ في يوليو 2018. كما كشفت الجريدة الرسمية في مصر الشهر الحالي عن قرار وقعه رئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، لزيادة أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، بما يصل إلى 46.5 %، وهي ثاني زيادة في أقل من عام.


لقد تلاقت إرادة الحكومة وفلسفتها، مع رؤية الصندوق ورشته للعلاج، التي يقوم بتطبيقها على من يرغب، وكان للحكومة المصرية –إذا أرادت– أن تطالبه بتعديل تلك الرؤية، أو تغييرها أو مد إطارها الزمني، والذي بالطبع يقلل من تأثيراتها المدمرة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، أو يوزع آثارها لتصل إلى الطبقات الغنية، التي لم تتأثر ظروفها بمثل هذا الإصلاح الاقتصادي المزعوم. ولكن الفكرة المسيطرة على النظام في مصر دائماً، في تعامله السياسي، أن «هناك حكومة فقيرة لشعب غني» يتهرب من دفع التزاماته، ولا يقوم بواجباته.

صحيفة العرب القطرية

0
التعليقات (0)