صحافة دولية

الغارديان: لماذا أصبح ترامب "إدمان" الأمريكيين اليومي؟

الغارديان: أخبار فضائح ترامب غطت وتفوقت على القضايا المهمة التي تمس حياة الناس- جيتي
الغارديان: أخبار فضائح ترامب غطت وتفوقت على القضايا المهمة التي تمس حياة الناس- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للكاتب ديفيد تايلور، يقول فيه إن دراما الإثارة الجاسوسية في أمريكا تجري على شبكات التلفزة وبشكل يومي، خلال عام كامل، وفي مركزها المحقق الخاص، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" روبرت مولر، في وقت يؤدي فيه المشاهدون حول العالم دور المحقق الهاوي.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته عربي21"، إلى أن مولر عين محققا خاصا في قضية التدخل الروسي في حملة انتخابات عام 2016، وقضى العام الماضي متابعا، وبصبر، شبكة معقدة من المال والتأثير، أو كما وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاحقا بأنها "عملية تصيد ثمنها 10 ملايين دولار".

 

ويقول تايلور إن "الأسئلة كثيرة، هل فاز ترامب في الانتخابات من خلال مساعدة روسية؟ ماذا يعرف المحقق الخاص؟ ومتى سيعلن عن نتائج تحقيقه وقد دخل السنة الثانية؟".

 

وتلفت الصحيفة إلى أن جهود مولر قد أثمرت من خلال توجيه اتهامات ضد أربعة من مقربي ترامب، منوهة إلى أنه في الوقت الذي لم يكشف فيه عن نتائج تحقيقه إلا أن الاتهامات تشير إلى مستوى تحقيقه.

 

ويفيد التقرير بأن مولر توصل حتى الآن إلى توجيه اتهامات ضد 19 شخصا وضد ثلاثة كيانات روسية، فيما توصل ثلاثة من مساعدي ترامب إلى تفاهمات، وهم مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، ومساعد ترامب في حملته ريك غيتس، ومستشاره للشؤون الخارجية جورج بابادولوس، مشيرا إلى أن مدير حملة ترامب بول مانفورت نفى الاتهامات الموجهة إليه بغسل الأموال، والغش الضريبي، والفشل في تسجيل العملاء الأجانب. 

 

ويبين الكاتب أن التحقيق أحاط بترامب، حيث حقق مولر مع عائلته وأصدقائه المقربين ومسؤولين في البيت الأبيض، لافتا إلى أن التحقيق توسع نطاقه، وسيطرت أخباره على شبكات التلفزة، حيث غطت وتفوقت على القضايا المهمة التي تمس حياة الناس، التي تجاهلتها الشبكات التلفازية المهووسة بالتحقيق الروسي، فمن كتاب الأعمدة إلى السياسيين، فإن هناك محاولات للبحث عن مجال آخر للحديث غير التحقيق الذي يقوده مولر.

 

وتنقل الصحيفة عن محرر وناشر "كولومبيا جورناليزم ريفيو" كايل بوب، قوله إنه في الوقت الذي انشغل فيه الإعلام الرقمي والمكتوب بقضايا أخرى، إلا أن شبكات التلفزة كافحت للهروب من التركيز اليومي على تحقيق مولر وفضائح ترامب، ويضيف أن "تحقيق مولر يلخص النهج الحزبي الذي تتخذه شبكات التلفزة"، حيث تقف شبكة "أم أس أن بي سي" على اليسار، و"فوكس نيوز" المحافظة على اليمين. 

 

ويقول بوب: "قراءتي الخاصة تشير إلى أن الطرفين يفقدان المصداقية، فأنت تقول لي مرة تلو الأخرى إن هذه بداية النهاية ولم يحدث شيء، وترفض الكثير من الأمور باعتبارها تافهة، دون أن أعلم، وكأنك تقول لي: حسنا لا تلتفت للتفاصيل"، ويضيف: "أعتقد أن الكثير من هذا رد فعل، حيث تم كسر مستوى الغضب". 

 

وبحسب التقرير، فإنه تم تجاهل القضايا الرئيسية كلها في دوامة تلفزيونية من التغطيات التي تبدو عاجزة عن متابعة غير موضوع واحد، حيث تكشف الأرقام من مؤسسة "نيلسن"، ما يقول عنه بوب "خفوت" الجماهير، فلا تزال شبكة "فوكس نيوز" الأولى بين شبكات التلفزة الأمريكية، إلا أن عدد مشاهديها في وقت الذروة انخفض بنسبة 13% في الربع الأول من عام 2018، مقارنة مع الذروة في الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسة ترامب، عندما حطمت الشبكة الأرقام القياسية. 

 

وينوه تايلور إلى أن "سي أن أن"، التي بدأت عادة نقل خطابات ترامب على الهواء مباشرة، خسرت بنسبة 17% في وقت الذروة، مشيرا إلى أنه بالمقارنة فإن الهوس بقصص ترامب زاد من مشاهدي الشبكة الليبرالية "أم سي أن بي سي" بنسبة مشاهدة 1.85 مليون، وهو رقم أقل من "فوكس نيوز"، لكنها زيادة بنسبة 30%.

 

وتجد الصحيفة أنه في الوقت الذي يلاحق فيه مشاهدو "سي أن أن" و"فوكس نيوز" و"أم أس أن بي سي" فضائح ترامب الواحدة تلو الأخرى، إلا أن التحديات الاجتماعية العميقة في أمريكا تم تجاوزها في العام الماضي، لكنها لم تختف أبدا، حيث قرر المدرسون، الذين ذمهم الساسة المحافظون طوال السنوات الماضية، الإضراب، بشكل كشفوا فيه عن الرواتب القليلة والمدارس الفقيرة.

 

ويذكر التقرير أن تخفيض الضرائب استمر من ترامب والجمهوريين في الكونغرس؛ لمنفعة الشركات والأثرياء الأمريكيين، بمن فيهم ترامب والحلقة الضيقة القريبة منه، لافتا إلى أن معدل الحياة في أمريكا انخفض مع زيادة الوفيات بنسبة 21% بسبب الجرعات الزائدة -المشروعة وغير المشروعة- من المخدرات، فيما تتعرض النقابات لهجمات في المحاكم من الجماعات المحافظة في ولايات أمريكا الـ50 كلها.

 

ويقول الكاتب إن هناك قائمة من الشكاوى ضد النظام القضائي المشوب بالتحيز العنصري في كل يوم، حيث يقول بوب: "لا أفتح القنوات الإخبارية، وأقول: اتساءل عما يحدث في العالم، وكل ما فيها عن مجريات تحقيق مولر، ورضوا بفكرة أنها عن عرض مولر فقط، ليس إلا"، ويضيف: "أريد معرفة ماذا يجري لمدننا المتداعية، وأريد أن أعرف عن العرق، وأريد معرفة الأخبار عن إدمان المخدرات وعن المدارس، أعيش في نيويورك، وهذه الأمور كلها تحدث هنا".

 

وتنقل الصحيفة عن المعلق في صحيفة "نيويورك تايمز" نيكولاس كريستوف، قوله: "مثل بقية الأمريكيين فقد أصبحت مدمنا على أخبار ترامب اليومية"، وأضاف: "في أمريكا اليوم، فإن كل شيء عن ترامب وطوال الوقت، وأصبحنا جميعا مدمنين عليه، الفضائح المستمرة والغضب يغمرنا جميعا، وكلها تصل إلى نوع من إباحية ترامب". 

 

ويذهب التقرير إلى أن التحدي أمام السياسيين الذين يحاولون طرح قضايا ذات علاقة بحياة الناس اليومية، هو أنهم يكافحون أمام جاذبية ترامب المبهرجة. 

 

ويورد تايلور نقلا عن المديرة التنفيذية للجنة التشريعية في حملة الحزب الديمقراطي جيسيكا بوست، قولها لموقع "ديلي بيست" إنها ذهبت ثلاث مرات إلى شبكة "أم أس أن بي سي" عندما وصلت أخبار جديدة عن ترامب، "ومن الصعب الخوض في هذه القصص بالحديث عن إضراب المعلمين، أو الهجوم على حقوق التصويت؛ لأن هناك شيئا سيئا فعله ترامب".

 

وتبين الصحيفة أنه بالنسبة للسياسيين الذين يحاولون تغيير موضوع الحديث، فإن الجواب كان هو بناء منبرهم الخاص أو تنظيم مناسبات، حيث بدأ بيرني ساندرز في قيادة هذا الطريق عندما فتح حسابا على "فيسبوك" يتابعه 7 ملايين شخص، وحضر مليون شخص بثا حيا من قاعات مجالس بلدية؛ للاستماع لنقاشات حول غياب المساواة والعناية الصحية. 

 

ويفيد التقرير بأنه بالنسبة للناشطين الذين يريدون الحفاظ على القضايا المهمة على قيد الحياة، أو تنشيط العاملين المحللين، فإن هناك تحديا في ظل تغطية الإعلام دراما ترامب.

 

وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول مديرة السياسة في "إندفيزبل"، التي أنشأها عاملون سابقون في الكونغرس؛ لبناء قاعدة شعبية ضد أجندة ترامب، إليزابيث بيفر: "يجب ألا يكون الخيار بين متابعة تحقيق مولر أو فضائح ترامب، مقابل الحديث عن القضايا التي تمس حياة الجميع".

التعليقات (0)