أفكَار

نظرية "إصلاح الأمة" ما مدى نجاعتها في إحداث التغيير المنشود؟

هل فشلت حركات الإسلام السياسي بالاستفادة من الربيع العربي؟ - أرشيفية
هل فشلت حركات الإسلام السياسي بالاستفادة من الربيع العربي؟ - أرشيفية
تبنت حركات إسلامية سياسية منذ ما يقارب القرن، نظرية إصلاح الأمة بالتدريج والمرحلية، كمنهجية استراتيجية لإحداث التغيير المنشود على المدى الطويل، متوسلة بخطوات إصلاحية تفضي إلى تحقيق أهدافها الكبرى المتمثلة بإعادة الخلافة الإسلامية بعد أن تم تقويضها بإلغاء الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924. 

وبعد أن وضعت تلك الحركات نظرية إصلاح الأمة موضع التنفيذ منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، لم تتمكن من تحقيق حلمها الكبير، فما هي أسباب ذلك الفشل؟ وهل النظرية المتوسل بها قادرة على الوفاء بما عول عليه المتبنون لها أم ثمة قصور في بنيتها الداخلية يحول دون تحقيق ذلك؟ وإن كانت النظرية قاصرة عن إنجاز تلك الأهداف فما هي البدائل والخيارات الممكنة؟

في الوقت الذي ما زالت فيه تلك الحركات تتشبث بنظرية الإصلاح الشامل، لا يتوانى منتقدوها عن توجيه النقد الشديد والقاسي لها، باعتبارها "فشلت فشلا ذريعا، خاصة بعد الربيع العربي الذي أظهر فئات من الأمة متقدمة كثيرا في ثوريتها على تلك الحركات المتبنية للنظرية" بحسب الكاتب والباحث السوري أحمد الرمح. 

وأرجع الرمح أسباب فشل تلك النظرية إلى "جوهر فكرة الإصلاح ومضمونها، إضافة إلى عقلية المتبنين لها والقائمين على تنفيذها" موضحا أن "إصلاح الأمة لا يمكن إنجازه قبل الاشتغال بالإصلاح الديني، من خلال تحديد وظيفة الدين في مجتمعاتنا المعاصرة، والانتقال بالمناهج التربوية (المدرسية والمسجدية) من التلقين إلى بناء التفكير النقدي الواعي".

وتساءل الرمح: "كيف تتمكن حركات "الإسلام السياسي" من تحقيق مهمة إصلاح الأمة وهي لا تؤمن أصلا بفكرة الإصلاح الديني، بل على العكس من ذلك ساهمت بشكل كبير في القضاء على المدرسة العقلية، التي كان من أبرز روادها رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده؟". 

وأشار الرمح في حديثه لـ"عربي21" إلى أن أغلب المتبنين لنظرية إصلاح الأمة يعتبرون أنفسهم أوصياء على المجتمعات، وما على الآخرين إلا الانصياع لهم والأخذ بتصوراتهم وحلولهم، وهو ما يثير هواجس مخالفيهم وتخوفاتهم من نزعة الاستئثار والاستحواذ الطاغية لديهم. 

من جهته وصف الكاتب الأردني المقيم في إسطنبول، أيمن خالد نظرية إصلاح الأمة بـ"النظرية الفاسدة لأنها تحمل الناس مسؤولية التخلف، وتعفي الأنظمة السياسية من ذلك، وهو ما أفرح تلك الأنظمة لكونها تكرس وجودهم".

 وقال خالد لـ"عربي21": "مسألة إصلاح الفرد التي هي الحلقة الأولى في إصلاح الأمة كانت واقعية في القرن الماضي، لكنها لم تعد مقبولة بسبب انتشار التعليم بعد منتصف القرن الماضي حتى نهايته، والذي شهد تحولات هامة بدءا بالفضائيات إلى الإنترنت إلى وسائل التواصل الفورية بين الناس".

وأضاف: "هناك جيل كامل يتفاعل مع التقنية والعلوم، حتى العلوم الدينية باتت متاحة ومتوفرة عبر المساحة الإعلامية الجديدة، وهذا أثر بدوره على الأحزاب السياسية التي لم تعد قادرة على فهم التبدلات، باختصار الجيل الموجود متعلم ومدرك للأمور، ولا يقبل أن يوضع بمصاف من يحتاجون للتربية" على حد قوله.

ورأى خالد أن "الإصلاح يبدأ بالخروج من دائرة الأحزاب الضيقة إلى دائرة العمل الاجتماعي الواسع، مع ضرورة زيادة مساحات التواصل بين الشرق والغرب" لافتا إلى أهمية الانطلاق من نظرية التواصل المباشر مع الشعوب ومؤسساتها الحقوقية لأن هذا يحرج حكامنا وكل من يساعدهم في الغرب".

ووصف خالد "ما يفعله خطباء المساجد بأنه يخدم الحكام الذين يطرحون أنفسهم في الغرب كمعتدلين وأوصياء على مجتمعاتنا، كما أن كثيرا من المستبدين يستفيدون من بعض برامج الأحزاب والحركات التي تطرح مفهوم الصراع مع الغرب". 

 في السياق ذاته رأى الكاتب والباحث المصري، حسام الدين عوض أن نظرية إصلاح الأمة "قاصرة عن تحقيق الأهداف المرجوة منها، وتحتاج إلى إعادة نظر وتقويم وتصحيح" مشيرا إلى أن "الحركات الإسلامية السياسية لم تحقق تطلعاتها وأمانيها فيما يتعلق بإصلاح الأمة، إذ الأمة ما زالت متأخرة، متكلسة، لا تكاد تراوح مكانها". 

وبيَّن عوض لـ"عربي21" أن "الحركات الإسلامية المتبنية لتلك النظرية وقعت في أخطاء أسهمت فيما تعيشه أمتنا، من أبرزها: المناوشات المستمرة التي جُرَّت إليها الحركات الإسلامية السياسية بجريرة صراعها مع الأنظمة السياسية الحاكمة، والتي أدّت بدورها إلى استهلاك الحركات الإسلامية واستنزافها، وبالتالي أفقد الأمة جزءا هاما من رصيدها بحرمانها من عقول كثير من أبنائها المخلصين الذين غُيّبوا في السجون".  

بدوره أوضح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، رامي ملحم أن ما "تتبناه الجماعة هو الإصلاح الشامل، سعيا منها لإحداث التغيير الإيجابي، وصولا إلى مجتمع متمسك بدينه، ومحقق للتنمية، ومنتم لأمته، والإصلاح يشمل الإصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي والتربوي وغيرها". 

ونفى ملحم لـ"عربي21" أن تكون جماعته قد تبنت إصلاح المجتمع فقط" مؤكدا على "تبنيها إصلاح الحاكم والمحكوم على حد سواء، وكل منهما منوط به القيام بدوره". 

ووصف ملحم "أية دعوة أو نظرية تحمل العامة المسؤولية عن الواقع وتخلي طرف الحاكم بأنها دعوة لم تستوعب الإسلام ونظمه، ولن تنجح في تحقيق مقاصد الإصلاح المنشود".

وطالب القيادي الإخواني بضرورة "عدم وضع الحركات الإسلامية كلها في إطار واحد"، منتقدا "إطلاق التعميم عليها بأنها كلها تتبنى فكرة تحميل العامة مسؤولية التخلف والضعف، وإعفاء الأنظمة السياسية من ذلك". 

ودافع ملحم في ختام حديثه عن الحركة الإسلامية بقوله "إن الاستهداف الذي تتعرض له الحركة الإسلامية في منطقتنا من بعض أنظمة الحكم لأوضح دليل عملي على أن منهج الحركة لا يتساوق مع مقاربة إصلاح المجتمع فقط". 

التعليقات (2)
اويس محمد الحسن
الخميس، 12-07-2018 03:08 م
اعتقد فشل فكرة اصلاح الامة من اسبابه اختلاف الافكار للجماعات الاسلامية و المنافسة على نشر الفكر بالقوة و العمل على رد وجدال الاحزاب لذلك ليس هنالك توحيد للفكرة و هدف كل جماعة اسلامية هي الوصول الي مقاليد الحكم مهما كان السبب وعن غض النظر بطريقة الوصول الي الحكم واذا نجحت في الوصول الي مقالد الحكم تهتم بعد ذلك بتثبيت الدولة ومما يقؤد الي التراخي في نشر الفكرة التي قامت عليها الجماعة
مصري جدا
الأربعاء، 07-03-2018 07:40 م
نظرية اصلاح الامة كانت وليدة ظرف تاريخي معلوم وهو سقوط الخلافة الاسلامية عام 1924 وما قبلها حيث كانت تسمى دولة الخلافة وقتها بدولة الرجل المريض نظرا للضعف والتخلف الذي اصابها مقارنة بالعالم الغربي ،،، ولكن بعد هذه الفترة الزمنية الطويلة من الطبيعي مراجعة هذه النظرية التي خققت القليل من النتائج واخفقت في الكثير منها ،،، هذه النظرية حققت نتلئج مقبولة نسبيا على مستوى الفرد والاسرة وبعض النملذج المؤسسية في مجالات التعليم والصحة مثلا ،، لكنها اخفقت وبدرجة كبيرة في المجال السياسي والاقتصادي والاعلامي لاسباب تخصها على مستوى النظرية والتطبيق ونوعية القيادات واسباب اخرى تخص طبيعة الصراع بين المشروع الاسلامي والمشروع الغربي ومدى توفر الادوات ،،، خلاصة القول ،، ان فكرة اصلاح الامة ومفهوم الامة والخلافة محتويات نظرية اكثر منها عملية وغير ممكنة لاعتبارات كثيرة ،، اما فكرة الوطن او الدولة الوطنية القوية هي البديل الطبيعي والممكن ،، وعندما تتعدد الدول الوطنية القوية يكون فيما بينها تحالفات واتحادات نوعية على المستوى الاقتصادي والعسكري وهكذا ،، هذا على غرار الاتحاد الاروبي والولايات المتحدة والاتحادات الفيدرالية وغيرها ،،، التخالف والاتحاد على خلفيات نوعية اكثر واقغية وامكانية وقبولا لدى العالم من التحالفات ذات المرجعية الفكرية او العقدية ،،، وداخل الوطن الواحد تتعاون مؤسسات الدولة الرسمية مع العمل الاهلي المدني والاسلامي بعيدا عن الصراع السياسي الذي اثبتت التجارب في عالمنا العربي والاسلامي ان هذه الصراعات ليست في صالح الحركات الاسلامية بل هي دوما التي تدفع الاثمان الباهظة ،،، من المفروض ان نتعلم من تجارب العقود الماضية وان نبحث عن مخرج يتفق وطبيعة هذه المنطقة من العالم خاصة واننا اصبحنا خارج هذا العالم