مقالات مختارة

الأنظمة العربية وحرية الإعلام

رياض معسعس
1300x600
1300x600

الأنظمة العربية في قوانينها ودساتيرها تضمن نظريا حرية الإعلام والرأي والتعبير، ولا يخلو قانون إعلامي من عبارة مطابقة أو قريبة من: «ضمان حرية الصحافة بما لا يتنافى ومصالح الدولة والشعب»، ولكن في الواقع المعيش الأمر يختلف جذريا عن كل القوانين التي تصاغ، والتي توهم بأن وسائل الإعلام في هذه الدولة أو تلك تنعم بالحرية والاستقلالية والموضوعية والمصداقية.

ولا تلتف السلطة، أو تعير اهتماما لكل المؤشرات التي تشير إلى عدم استقلالية أي وسيلة إعلامية، وأنها تفتقد للموضوعية والاستقلالية، خاصة المصداقية، والمؤشر الأصدق في ذلك هو نسب المشاهدة، أو الاستماع، وحجم مبيعات الصحف (من دون حساب النسخ الموزعة مجانا على المراكز الحكومية)، فهذه وحدها تؤكد على أن الإعلام الرسمي لا يرقى إلى تطلعات المستقبلين، الذين سئموا من سياسة التضليل والبروباغندا والتعتيم، بل فبركة أخبار لا تمت إلى الواقع بصلة، بقصد التشويه والتبرير لسياسات قمعية ضد هذه القوة أو تلك.

وبما أن وسائل الإعلام ولفترة طويلة، امتدت من بداية سنوات الاستقلال ولغاية بداية الثمانينيات، فإن الأنظمة المهيمنة على الإعلام حاولت في لعبة التفافية أن تظهر انفتاحا إعلاميا بالسماح لبعض الصحف الخاصة أو القنوات التلفزيونية والإذاعية بالظهور. وأعطت رخصها لبعض رجال الأعمال المقربين من الأنظمة ولا تخشاهم، وعرفت كيف تسيطر على الوضع الجديد بمنع بعض القنوات من بث الأخبار، واقتصرت على برامج ترفيهية من النوع الرخيص أو رياضية، أو دينية «موالية». 

وبمفهوم آخر فإن المشهد الإعلامي لم يتغير، بل ازداد سوءا بازدياد عدد الوسائل التي لا تقدم للمستهلك ما يرنو إليه، وهذا ما يفسر العدد الهائل من القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف والمجلات التي نشأت خلال العقدين الأخيرين (هناك أكثر من ستمائة فضائية عربية، ومئات الإذاعات والصحف) وجميعها عبارة عن وسائل تنشأ لتختفي سريعا، حسب الظروف والأجواء لرجل الأعمال هذا، أو للرجل الواجهة لهذا النظام أو ذلك، ثم تظهر من جديد في حلل مختلفة، ولا نتفاجأ أن تختفي قناة تلفزيونية في اليوم الأول من البث، بسبب برنامج سياسي تحدث فيه معارض للنظام، أو إقفال قناة بأمر من السلطة لأنها تخطت الحدود المسموح بها، أو قطع المساعدات، أو الإعلانات التي ترفد القنوات بجزء كبير من ميزانياتها، أو الاستغناء عن المسؤول الأول في القناة أو الصحيفة لأنه زاد في معيار «الحرية» أكثر من اللازم، أو أنه لم يلتزم أو رفض تعليمات فوقية بالتعرض لنظام معاد ووسائله الإعلامية بحملة إعلامية شرسة بسبب خلافات سياسية بينهما، أو بإدراج أخبار، أو إلغاء أخبار وعدم تداولها في الوقت الذي تكون فيه قنوات أخرى، خاصة الأجنبية، قد أوردته وعلقت عليه وبات معروفا للقاص والداني، أو اللجوء إلى عمليات الاغتيال لكل صحافي تشعر السلطة بأنه بات خطرا عليها (تم اغتيال مئات الصحافيين في سورية، والعراق، ولبنان، واليمن وليبيا، واعتقال عشرات الصحافيين في مصر، ومنعت العديد من الصحف من الصدور في السودان) حتى صار الكثير من الناس يرفضون كل ما تقدمه وسائلهم الإعلامية ويتوجهون إلى الإعلام الأجنبي، أو يتناولون وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت الوسائل الأكثر تداولا ومناوئة لإعلام السلطة. 

ويتساءل البعض ما هي حرية الإعلام؟ ومتى يمكننا القول بأن هناك حرية صحافة بكل ما تعنيه هذه الكلمة؟

من يقرأ تقارير الأمم المتحدة حول حرية الإعلام في الدول الأعضاء، يتفاجأ بأن معظم هذه الدول لا تتمتع بالحرية أو لديها حرية نسبية، ولكن ما يفجع المطلع على هذه التقارير أن البلاد العربية مصنفة من أسوأ الدول وهي في قعر القائمة.

ومن حيث النظرة المثالية للإعلام، وللحرية المنشودة، يمكن القول بأن الديمقراطيات الليبرالية في دول أوروبا الغربية بشكل عام خطت نحو إعلام حر يمثل سلطة رابعة لا يستهان بها، وتلعب دور الرقيب على السلطات الثلاث. ومثال ذلك كشف فضيحة تمويل القذافي لحملة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الانتخابية، وتقديمه للمحاكمة بسببها. وكشف فضيحة فساد رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي فرانسوا فيون خير دليل على ذلك، والأمثلة المشابهة في دول أخرى كبريطانيا وإيطاليا وألمانيا عديدة أيضا.

أما في الولايات المتحدة فوسائل الإعلام تلعب دورا «ضد السلطة» بمعنى أن السلطة تعتبر دائما مسؤولة أمامها، وقضية فضيحة ووترغيت وسقوط الرئيس نيكسون، وفضيحة الرئيس كلينتون الجنسية مع مونيكا لوينسكي، واحدة من مجمل قضايا لعبت فيها وسائل الإعلام دورا كبيرا في مواجهة السلطة، كما يحدث اليوم بينها وبين الرئيس دونالد ترامب.

فالقوانين الإعلامية في هذه الدول تضمن مجموعة من الحقوق الأساسية التي بدونها لا يمكن بناء إعلام حر يمكن وصفه بسلطة رابعة، أو ضد السلطة، وأهم هذه الحقوق هو حرية الرأي والتعبير، والحق في الوصول إلى المعلومة ومساءلة المسؤولين، وفسح المجال للنقاش الحر المفتوح في قضايا مثل، الحكم والمجتمع وكيان وسيادة الدولة، التي هي حكر على الدولة وتبقى معظمها طي الكتمان، كما يحصل اليوم في كل الدول العربية.

(حتى اليوم لم يفتح مرة واحدة ملف احتلال الجولان للنقاش علنا في أي وسيلة إعلامية سورية، على أهميته وخطورته وانعكاساته الخطيرة على الدولة والشعب، كما لم تتم مناقشة كيف يمكن تعديل الدستور بدقائق معدودات، كي يتمكن بشار الأسد من خلافة أبيه، في نظام رئاسي ودستور ينص على أن عمر الرئيس يجب أن لا يقل عن أربعين سنة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فالأمثلة لا تعد ولا تحصى في الدول العربية).

اليوم وفي ظل الثورات العربية نشأت وسائل إعلام مناهضة للسلطة، ولكن هل هي بداية الخطو نحو الديمقراطية وحرية الإعلام؟ سؤال مطروح للنقاش.

القدس العربي

0
التعليقات (0)