قضايا وآراء

محمود عباس على خطى النشاشيبي

أحمد الدَبَشْ
1300x600
1300x600
«إن الماضي لا يموت أبدا، بل إنه ليس ماضيا»
(ولـيم فـوكنر)

مثلت مرحلة ما بين عامي (1937 ـ 1939) مرحلة صعبة مرت بها الثورة الفلسطينية، لا سيما في العام الأخير منها، حيث وجه الفلسطينيون السلاح تجاه بعضهم البعض، وتم تشكيل «فرق السلام» أو «فصائل السلام» كذراع مسلحة لـ«المعارضة» وقوى «الثورة المضادة»، بهدف إجهاض الثورة الفلسطينية آنذاك.  

يقول ناجي علوش، في كتابه «المقاومة العربية في فلسطين (1917 ـ 1948) »: «كان حزب الدفاع الوطني [بزعامة راغب النشاشيبي]، يقود المعارضة ضد الحركة الوطنية. وكان الصراع بينه وبين الحزب العربي، أو حزب المفتي [الحاج أمين الحسيني]، يزداد كل يوم حدة، على الرغم من التعاون الشكلي بينهما في بعض الأحيان. ولعل من أسباب هذا الصراع ـ عدا التنافس الشخصي والعائلي ـ ارتباط حزب الدفاع الوطني بالإنكليز، والأمير عبد الله».

إثر حل سلطات الانتداب البريطاني للجنة العربية العليا، في 1/10/1937، حاول حزب الدفاع، بزعامة راغب النشاشيبي، ومناصروه تشكيل قيادة فلسطينية تحل مكان اللجنة العربية العليا. ولما فشل في ذلك عمد إلى إطلاق الاتهامات ضد ثورة 1936؛ محاولا لتشويه سمعتها باتهامها بالإرهاب وارتكاب المذابح، واتهام القادة الوطنيين بتحويل الثورة لمصلحتهم الشخصية والاستيلاء على الأموال المخصصة لشراء السلاح والذخيرة.

يكشف هليل كوهين، في كتابه «جيش الظل» [ترجمة: هالة العوري]، عن تعاون النشاشيبي مع الوكالة اليهودية، بالقول: أرسل راغب النشاشيبي رسالة، غير مسبوقة، إلى شرتوك [موشيه شاريت] أبدا فيها استعداده الكامل للتعاون مع الوكالة اليهودية وموافقته على ما تقترحه من سياسات.

وأضاف أنه يتمتع بدعم شعبي واسع، لكن الوضع ليس ناضجا تماما بعد للتعاون الصريح. وفي اجتماع مع هاكوهن [ودافيد هاكوهن]، طرح ابن شقيقه فخري النشاشيبي موقفه: الآن، وبعد سقوط المفتي [الحاج أمين الحسيني]، أصبحت المعارضة في حاجة إلى شن حملة ثلاثية مشتركة من اليهود والعرب والبريطانيين، و يتطلب إنجاز ذلك بدوره تمويلا من الوكالة اليهودية.

وفي اجتماع فخري النشاشيبي مع الياهو ساسون، من القسم العربي للوكالة اليهودية، خرج ساسون بانطباع عن فخري مفاده «إنه مستعد لتكريس نفسه لنا»، ومن ثم طالب بتمويل نشاطاته.

يتحدث هليل كوهين، عن تعاون النشاشيبي مع الصهاينة، ويصفه بـ«التنسيق الأمني» يقول: وأنعش راغب النشاشيبي في آذار/ مارس، اقتراحا سبق أن رفضه بن جوريون، يتعلق بتأسيس وحدات عربية مسلحة بتمويل يهودي، و بعث باقتراحه هذا، عبر سكرتير بلدية القدس، إفرام فرانكو:
«إنني لا أفتقدُ الرجال، ولا أريد أن أفتقر إلى السلاح. لقد أشارت الحكومة إلى استعدادها بإعطاء رجالي كمية السلاح الذي يحتاجونه للدفاع، لكني لا أملك المال لشراء هؤلاء الناس، فالأصول تتطلب منح عباءة لكل منهم، وفي حالة وفاة أحدهم، فمن الضروري إرسال كيسا من الأرز وجوالا من السكر إلى عائلته. ولا يمكنني دفع الإرهاب إلى الوراء بمبلغ ألفي جنيه فلسطيني. نحن نعلم من أين يأتي السلاح، ومن أين يأتي الإرهابيون السوريون، ولدينا القدرة على الإمساك بهم قبل دخولهم البلاد، وكذلك شن الحرب عليهم إذا دعت الضرورة».

يقول د. كمال محمد خلة، في كتابه «فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939»: نشر راغب النشاشيبي في 24/10/1938، بيانا في صحيفة «Yorkshire Post»، يتهم فيه المفتي الحاج أمين الحسيني، بتحويل الثورة إلى مصلحته الشخصية، وباستيلائه على الأموال الخاصة بعرب فلسطين لشراء السلاح والذخيرة.

ويشير هليل كوهين، إلى أن الحملة الإعلامية للنشاشيبي، غطت تكاليفها الوكالة اليهودية، وقد منحته الصحف «الإسرائيلية» والصحافيين وضعا بارزا. كانت الحملة موجهة إلى الشعب الفلسطيني والعالم العربي والمجموعة الدولية.


وينقل د. خلة، رسالة فخري النشاشيبي، المؤرخة في 14/11/1938، إلى المندوب السامي، والتي قال فيها أن (الزعماء) «اضطروا إلى مغادرة البلاد بسبب حملة الإرهاب التي قام بها جماعة الحاج أمين الحسيني ضدهم وضد جماعاتهم، في وقت لم تتمكن الحكومة فيه من حماية ممتلكاتهم». وأضاف قائلا: «وقد ساعدت الأموال التي تجمع باسم منكوبي فلسطين المومأ إليه (الحاج أمين) في حملته الإرهابية هذه، فهو ينفق هذه الأموال على مشتري الأسلحة، وفي أعمال العنف ضد ممتلكات ورجال الأحزاب المناوئة له، وان الخسارة المادية التي لحقت بممتلكات رجال هذه الأحزاب لا تقل عن ربع مليون جنيه».


وفي 30/11/1938، اجتمعت 25 شخصية عربية تمثل 45 قرية، في بيت فخري النشاشيبي، ثم عقدت مؤتمرا صحفيا أوردته «جريدة التايمز»، في عددها الصادر في 1/12/1938، وأعلنت فيه وقوفها إلى جانب فخري النشاشيبي وضد الحاج أمين الحسيني، كما تلقت «جريدة التايمز»، في 6/12/1938 تقريرا من مراسلها في القاهرة، يذكر فيه أن 25 شخصية عربية فلسطينية اجتمعت في منزل الشيخ على شاهين، واحتجت على المذابح التي يقوم بها المفتي، وأرسلت برقية تأييد إلى فخري النشاشيبي، واحتجت لدي المندوب السامي على الأعمال التي يقوم بها الحاج أمين الحسيني. وعقد حزب الدفاع مؤتمرا في 18/12/1938 في قرية يطا (الخليل) حضره نحو ثلاثة آلاف عربي، اتهم فيه خليل الشريف مختار القرية، عارف عبد الرازق بقتل ما يزيد على نحو 200 شخص، كما اتهم الحاج أمين بجميع الاغتيالات السياسية، وقد حضر هذا المؤتمر فخري النشاشيبي.

في هذا الصدد، يقول ناجي علوش: وبذلك جند فخري النشاشيبي وأنصاره أنفسهم لخدمة الاستعمار البريطاني، وحملوا السلاح لتتبع الثوار والوشاية بهم أو الاشتباك معهم. لقد تشكلت «فصائل» من «المعارضين» أخذت تقوم بما يعجز عنه الاستعمار البريطاني من أعمال الملاحقة والمطاردة. وارتكبت هذه «الفصائل» التي سمي بعضها «فرق السلام» أو «فصائل السلام» جرائم وفظائع عديدة، باسم الانتقام «لضحايا» الثورة، أي للسماسرة والعملاء، أو الذين قتلوا خطأ أو لأسباب خاصة. وكانت بنادق «المعارضين» اللامعة، وسيرهم جماعات في النهار، أمام أعين السلطات، تكشفهم وتفضحهم.

وكانت هذه «الفصائل» تعمل بتوجيه تشارلس تيجارت، وهو ضابط مخابرات بريطاني، وأشراف فخري النشاشيبي. وكانت اشهر فصائل السلام هي: «فصيلة فخري عبد الهادي وفريد رشيد في عرابة، وجنين، فصيلة حافظ العبد الله في عنبتا، فصيلة عائلة عمرو في الخليل، فصيلة عبد الفتاح درويش في المالحة، فصيلة نمر أبو غوش في قرية أبي غوش». وهناك فصيلة أخرى تولى قيادتها إبراهيم عبد الرازق من بيت ريما بقضاء القدس، وهي مؤلفة من عشرة أشخاص. وقد ارتكبوا في قرية (نعلين) أعمالا مشينة من السلب والنهب، وتمكن الثوار من إلقاء القبض على إبراهيم وعصابته، واعترف بأن «فخري النشاشيبي كلفه أن يصنع ما صنع، وانه استحضر لهم البنادق والعتاد من الحكومة، وانها خصصت لهم المرتبات الشهرية». وقد حكمت عليه محكمة الثورة بالإعدام، أما أفراد عصابته فقد حكم عليهم بالجلد والتجريد من السلاح. وتولى (أبو نجيم الشنطي) قيادة فصيلة أخرى، لكن الثوار اعدموه في ضواحي قلقيلية. كما أصدر عارف عبد الرازق، أحد قادة الثورة أمرا في 30/11/1938، بإعدام فخري النشاشيبي لخروجه عن «إجماع الأمة وتعاونه مع السلطة الإنكليزية والصهيونيين».

يقول هليل كوهين: في ليلة مظلمة ماطرة من شتاء عام 9381، انطلق ثلاثة رجال إلى حي الشيخ جراح المجاور في القدس: ياكوف بات، قائد الهاجاناه في القدس، الياهو ساسون، من القسم العربي للوكالة اليهودية، والياهو اليشار، من اللجنة اليهودية بالقدس. كانوا يحملون صناديق أسلحة إلى القوى المضادة للتمرد [الثورة] بقيادة فخري النشاشيبي، وبعد تفريغ الحمولة ونقلها إلى المخابئ، اتجهوا إلى داخل المنزل لشرب نخب، فقد وعدهم فخري بأنهم سوف يرون قريبا أن ثقتهم في محلها.

يذكر الياهو اليشار في يومياته: «لم تكد تمر أربعة وعشرين ساعة حتى أوردت كافة وسائل الإعلام اغتيال ثلاثة رجال من أنصار المفتي في القدس ومحيطها على يد خصومهم. وكان ذلك التجلي الأول لمجموعة النشاشيبي للدفاع المسلح ضد أولئك الذين انتهكوا شرف عائلاتهم وشرف جميع المعتدلين الآخرين والعائلات العربية الساعية إلى السلام».

على أي حال، تم اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد بتاريخ 10 تشرين ثاني/ أكتوبر 1941، واتُهم عبد القادر الحسيني حينها بتدبير خطة الاغتيال هذه.

والحقيقة أن بين محمود عباس، وسُلطة الحُكم الذاتي الإداري المحدود؛ وفخري النشاشيبي و«فصائل السلام» تشابه، لابد وأن يستوقف الباحث، وأن يدعون لأن يفكر، أكثر فأكثر، فمحمود عباس، يُشبِه قائمقام أكثر منهُ رئيسا؛ وأنَّ السُلطة الحقيقيّة في الضفّةِ الغربيَّةِ، في يد يوآف مردخاي، منسق حكومة العدو الصهيوني في المناطق المحتلة.

ألم يلعب محمود عباس دور النشاشيبي ذاته عندما حاول تشوية سمعه المقاومة، وتحقيرها، ومنع انطلاق انتفاضة ثالثة، تحت ذريعة أن الشعب الفلسطيني عانى ويلات المقاومة؟! ألم يسر عباس على خطى النشاشيبي في التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، الذي وصفه عباس بـ«المقدس»؟! ألم تُؤسس سُلطة الحُكم الذاتي الإداري المحدود، لإجهاض المقاومة والانتفاضة الفلسطينية، وهو السبب ذاته لتشكيل «فرق السلام» أو «فصائل السلام»؟! ألم يشرف على إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية لمحمود عباس الجنرال الأمريكي كيث دايتون، مثلما أشرف على تشكيل «فصائل السلام» ضابط المخابرات البريطاني تشارلس تيجارت؟!
1
التعليقات (1)
تصحيح
الإثنين، 11-12-2017 01:24 ص
تصحيح: حافظ العبداللة، كتيبة عنبتا!!!!!! الصح هو "حافظ الحمداللة"، وهو جد رئيس وزراء السلطة الآن، رامي الحمد اللة