قضايا وآراء

‏الجنرال.. بين الفشل والفشل

بهاء عفيفي
1300x600
1300x600

‏منذ دخل عبد الفتاح السيسي الحياة السياسية في مصر، ‏وهناك علامات استفهام كثيرة حول الرجل الذي لم يكن يعرفه الكثير من المصريين، حتى تحول بين يوم وليلة من لواء في الجيش المصري إلى فريق أول ووزير للدفاع، متخطياً الكثيرين ممن سبقوه في الخدمة، بل قافزاً بسرعة الصاروخ ‏على هذا المنصب الحساس الذي لم يكن يحلم في يوم أن يشغله.

‏والغريب أن الرجل قد جاء بتزكية من الإخوان؛ الذين أطلقوا عليه وصف "وزير للدفاع بنكهة ثورية"، ولم نكن نعلم عن أي ثورية يتحدثون. ‏بل من العجيب أن الرجل كان هو المسؤول الأول عن الإخفاق الأمني الذي تسبب في مقتل 19 من أفراد الجيش المصري، في عمل إرهابي كان من المفترض أن من مهام منصبه، كرئيس للمخابرات العسكرية، أن يكون أول من يمنع هذا العمل، وأن يكون أول من يحاسَب على حدوث هذا الأمر. ‏وبدلا من عزله من منصبه تمت ترقيته ليصبح وزيراً للدفاع.

وعلى ‏الرغم من خلو سجله الوظيفي من أي إنجازات تؤهله للقيام بهذا الدور، بل ‏على العكس من ذلك، فخلال توليه منصب رئيس المخابرات الحربية، خلال ثورة 25 يناير، تمكنت عناصر من حماس (حسب الاتهامات الرسمية) من دخول الأراضي المصرية واقتحام السجون المصرية، بل تمكنت عناصر أجنبية بالتواجد في ميدان التحرير وقامت بإطلاق الرصاص على المتظاهرين هناك، في ما عرف في الإعلام الموالي بـ"الطرف الثالث". كما تورط الجنرال في كشوف العذرية، وهي قضية أساءت إلى الجيش المصري بصورة كبيرة.

 

‏هذا الرجل لم يكن له تاريخ وظيفي يؤهله لكي يكون وزيراً للدفاع، ولكن أراد القدر وأراد محمد مرسي أن يتولى الرجل مسؤولية الدفاع عن الوطن


‏وكل ما سبق ليؤكد على شيء واحد؛ هو أن هذا الرجل لم يكن له تاريخ وظيفي يؤهله لكي يكون وزيراً للدفاع، ولكن أراد القدر وأراد محمد مرسي أن يتولى الرجل مسؤولية الدفاع عن الوطن.

وبعد ‏ما حدث في 30 حزيران/ يونيو، قفز الجنرال إلى أعلى سدة الحكم في مصر، ليطلب تفويضاً شعبيا من المصريين للقضاء على الاٍرهاب. ‏ورغم غرابة الطلب، إلا أن الجنرال كان يسعى إلى هدف أبعد مما ظن الجميع، ‏حيث ‏كان يريد أن يستعمل القوة المفرطة لترهيب الشعب مما هو قادم، ‏ويطبق نظرية الصدمة لكل من يقف أمامه أو يحاول أن يعارضه. ‏ورغم التفويض والمجازر والقتل خارج إطار القانون والاعتقالات العشوائية وحالة الطوارئ، لم يستطع الجنرال مواجهة ما يسمى بالإرهاب المحتمل. ‏وسال الدم المصري من الشعب والشرطة والجيش، وانتشرت التفجيرات حتى وصلت إلى مديريات الأمن، ولم يستطع الجنرال أن يحقق الأمن الذي وعد به المصريين.

‏وبرز دور الإعلام في تلميع صورة الجنرال؛ لكي يصبح مرشح الضرورة والمخلص من إرهاب الإخوان، ‏وتبارى الإعلاميون بتفنيد مميزات الجنرال التي كانت كلها خيالية ولا تمت إلى الواقع بصلة، فصوّره أحيانا بأنه الجنرال القوي الذي لا يقهره شيء، وأنه هو القادر على التعامل مع كل القوى الخارجية، بما فيها الولايات المتحدة التي ترتعد من هذا الجنرال القوي، وتحسب له ألف حساب، ‏بعد الترويج عن قيامه برفض مكالمات أوباما التلفونية، كما قامت الضفادع البشرية المصرية بأسر ‏قائد الأسطول السادس الأمريكي، وأجبرت مقاتلات الجنرال الأسطول الأمريكي على الابتعاد عن المياه الإقليمية المصرية، بالإضافة إلى أنه خليفة عبد الناصر، وأنه الرئيس الدكر الذي تتوق إليه مصر!

 ‏وهنا أصبح الطريق ممهداً أمام الجنرال ليتولى رئاسة الجمهورية، بعد هذا الدعم غير المحدود من الإعلام الممول ‏الذي صوره على أنه هو المخلص لكل مشاكل مصر، بل أفتى بعض علماء السلطان بأنه اقترب من منزلة الأنبياء.

 

وتولى الجنرال المسؤولية، ولم يختلف شيء على الصعيد الأمني. فما زال الإرهاب يضرب مصر شمالاً وجنوباً وشرقا وغربا


وتولى الجنرال المسؤولية، ولم يختلف شيء على الصعيد الأمني. فما زال الإرهاب يضرب مصر شمالاً وجنوباً وشرقا وغربا، ‏ولم تهدأ سيناء ولا حتى القاهرة من الانفجارات، ويقتل الأبرياء كل يوم، حتى النائب العام تم اغتياله. واستخدم الجنرال كل أساليب القوة المفرطة، ولكن لم يتغير الوضع، وهنا قرر الجنرال أن الحل هذا هو تهجير أهل رفح من منازلهم ‏بحجة دخول الإرهابيين والأسلحة. وسالت دموع ودماء جراء تهجير أهل رفح من منازلهم؛ ولم ينته الاٍرهاب. وقتل السياح المكسيكيون وقتل ريجيني الإيطالي على يد مليشيات الجنرال، واستمر الاٍرهاب. واستمر الجنرال في فشله الأمني، وعلق سوء الأوضاع الاقتصادية على انهيار الأمن، متناسياً أنه فاشل في الأمر الوحيد الذي كان حجته لتولي المسؤولية، وهو إقرار الأمن للمصريين.

 ‏أربع سنوات في الحكم، وما زال الجنرال يسير من فشل إلى فشل، حتى كانت آخر كوارثه مقتل أكتر من 300 مصري داخل أحد المساجد في سيناء، واستمر إطلاق النار أكثر من ثلاثين دقيقة، ولم تظهر قوى الأمن، أو الجيش الذي من المفترض أنه يُؤْمِن سيناء ويحارب الاٍرهاب، وكأن الجيش قد اختفى ليفسح المجال للإرهابيين بأن يقوموا بعملهم الإرهابي؛ ليقتلوا البسمة والأمل بين أهل سيناء الذين عانوا من التهجير وإساءة المعاملة من بعض أفراد الجيش، بناء على تعليمات الجنرال.

اليومَ ‏إذا أردنا أن نحاكم الإرهابيين؛ وجب علينا أن نحاسب من تسبب في هذا الإرهاب، ومن سمح لهؤلاء المجرمين بأن يقوم بهذا ‏العمل الإجرامي؛ في غياب قوات الجيش والشرطة التي أصبحت مهمتها الوحيدة هي حماية الجنرال ونظامه، حتى أنه لا يتورع عن التهديد باستخدام القوة من الجيش تجاه أفراد الشعب إذا ثار الشعب عليه.

 

‏إذا أردنا أن نحاكم الإرهابيين؛ وجب علينا أن نحاسب من تسبب في هذا الإرهاب، ومن سمح لهؤلاء المجرمين بأن يقوم بهذا ‏العمل الإجرامي


‏والآن، يخرج علينا المتحدث العسكري ليعلن أن قوات الجيش قد قامت بضرب الإرهابيين ضربة موجعة، وقتلت العشرات منهم، وقامت بتدمير سياراتهم ومراكز تدريبهم. ولكن السؤال: إذا كنتم تعلمون من هم الإرهابيون، فلماذا لم تهاجموهم قبل حدوث المجزرة؟ وهل أصبح دور الجيش هو ‏الرد على العمليات الإرهابية، بدلا من القضاء على الإرهابيين وإحلال الأمن والسلام على كافة الأراضي المصرية؟ ‏وهنا يبرز سؤال آخر: هل تستخدم هذه العملية الإرهابية في تشتيت الانتباه عما يحدث في إثيوبيا من فشل مفاوضات سد النهضة؛ الذي قد يحوّل مصر إلى صحراء جرداء لا حياة فيها ولا ماء، بعد تشتين شيرين عبد الوهاب؛ الرأي العام بتصريحها الذي قالته من عام عن البلهارسيا ومياه النيل، وتم استدعاء هذا التصريح القديم ليثير جدلاً تجاه المغنية التي كانت تحلم وهي مستيقظة؛ بالجنرال الذي يعطيها عنبا يتساقط منه لبن.

وبعيدا عن الاٍرهاب، لم يسلم المصريون من القتل على أيدى أمناء الشرطة، وانتشر خطف الأطفال والكبار من أجل تجارة الأعضاء. ‏ويبدو أن الفشل المرتبط ليس فشلا أمنياً فقط، ولكن فشل سياسي وعسكري واقتصادي وتعليمي وصحي. فقد أصبح جودة ‏التعليم في مصر ‏في المركز قبل الأخير، ‏
وتدهورت صحة المصريين خلال حكم الجنرال بعد أن فشلت كفتة الجنرال في إنتاج عقاره المعالج للإيدز والالتهاب الكبدي الوبائي، وارتفع سعر الدولار من تسع جنيهات إلى 19 جنيها، وارتفعت أسعار السلع الأساسية، وانتشر الفقر بين المصريين، وأوشكت الطبقة المتوسطة على الاختفاء. وتنازل الجنرال عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين من أجل عيون ابن سلمان، وفَرّط بحقوق مصر في الحدود البحرية في البحر المتوسط، مما أدى إلى ‏فقدان مصر حقوقها في حقول الغاز لصالح إسرائيل وقبرص واليونان، ‏بالإضافة إلى توقيع الاتفاقية الإطارية مع إثيوبيا والسودان، والتي سمحت لإثيوبيا في الحصول على تمويل لبناء السد، وأعطت غطاء شرعيا لإثيوبيا في إنشاء سدود يمكنها أن تؤثر على حصة مصر في المياه، وهذا يخالف القانون الدولي.

وهذا يجعلنا نسأل السؤال المهم: ما هو النجاح الذي حققه الجنرال الفاشل لكي ننتخبه أربع سنوات إضافية؟ ألم يكفنا فشلا؟

التعليقات (0)