مقالات مختارة

واشنطن تقرر التعايش من دون التصالح مع الأسد

جويس كرم
1300x600
1300x600
ست سنوات في مثل هذا الشهر، خرج الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ببيان يدعو فيه نظيره السوري بشار الأسد إلى التنحي عن منصبه من دون أن تكون لديه استراتيجية أو أدوات داخل سورية لتحقيق هذا الهدف، أو حتى خطة بديلة في حال عدم حدوثه، والانعطافة الأمريكية اليوم لقبول بقائه هي إحدى نتائج ذلك.

نصف مليون قتيل وملايين اللاجئين ودمار هائل يفوق ثمن إعادة الإعمار فيه المئتي بليون دولار وفق البنك الدولي، وها هي واشنطن تعود للتأقلم مع بقاء الأسد الذي لا مؤشر إلى خروجه من السلطة ولا إلى تغيير سلوكه في شكل يفتح الباب أمام حل سياسي. مستقبل سورية هو اليوم في قبضة تحالف إيران- الأسد- روسيا، مع ما يعنيه ذلك للجهاز الأمني والاستخباراتي للنظام ولميليشيات إثنية ومتطرفة سيستمر حضورها في المدى المتوسط.

بالنسبة للإدارة الأمريكية، فإن كلفة مغادرة الأسد باتت أكبر من كلفة بقائه. فأي حديث عن تنحي الأسد أو عزله بعد مرحلة انتقالية ووفق السفير الأمريكي الأخير الى سورية روبرت فورد لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة تسليح المعارضة وليس برشاشات أوتوماتيكية بل صواريخ أرض- جو تمكنها من استعادة بعض الحضور العسكري قبل التفكير بقلب الساحة الميدانية. هكذا دعم يتطلب قرارا سياسيا أمريكيا وإقليميا، والاثنان غير متوافرين اليوم، وحتى برأي المعارضة السورية لا جدوى من انتظارهما.

فإدارة ترامب تتحرك من منطلق التعايش مع فكرة بقاء الأسد من دون التصالح معه ووفقا لخطوط براغماتية وعسكرية تنال تأييد وزارة الدفاع الأمريكية. بداية، ليست هناك إرادة أمريكية لدعم المعارضة السورية المسلحة، والتركيز في سورية هو على أربعة أهداف ومصير الأسد ليس بينها وهي: 1- هزيمة «داعش» 2- ضمان أمن إسرائيل 3- استيعاب أزمة اللاجئين 4- ضبط السلاح الكيماوي. من هنا ركزت تحركات دونالد ترامب وتصريحاته حول سورية بوقف برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) الذي كان في رمقه الأخير قبل مغادرة أوباما، ومعاقبة الأسد حين استخدم السلاح الكيماوي، وتحرير الرقة والتنسيق مع الجانب الروسي في خطط لاستيعاب اللاجئين وضمان عدم وصول «حزب الله» الى خط الجولان.

أما ما تبقى مما يفعله الأسد ومعارضوه في الغوطة أو إدلب أو حمص أو الجنوب السوري فهو ضمن تفاصيل ميدانية لا تستحوذ أولوية التدخل بالنسبة للإدارة. هناك أيضا حساسية أكبر لدى إدارة ترامب من ملف تغيير الأنظمة بعد تجارب العراق وليبيا والتي عارضها المرشح وأدت برأيه الى دول فاشلة استغل الفراغ فيها تنظيمات إرهابية وإيران.

في الوقت ذاته، بقاء الأسد كواقع سياسي وعسكري لا يعني مصالحة أمريكية معه كما يقول فورد. لا بل تمنع العقوبات الأمريكية من الكونغرس أي إدارة من الانفتاح على دمشق اقتصاديا ومصرفيا. ومن دون تسوية سياسية شاملة لا يمكن الحديث لا عن عقود إعادة إعمار أمريكية في سورية، أو إعادة فتح للسفارات الغربية في دمشق. ويحتم تحالف الأسد مع إيران وتعزيز النفوذ الإيراني في سورية من مقاتلين أفغان وعراقيين ولبنانيين استقطبتهم طهران للدفاع عن مصالحها وعن النظام، يحتم ذلك بقاء الأسد في خانة استراتيجية لا تتوافق مع الولايات المتحدة. فلا دعم إسرائيل ولا حتى القوات الكردية يتفق اليوم مع تطلعات إيران، والرهان الإسرائيلي هو على روسيا لاحتواء هذا النفوذ من دون توقعها أن تنجح في ذلك.

كل ذلك يعني أن المعادلة الأمريكية في سورية انقلبت عما كانت عليه منذ ست سنوات، وهي تركز على البعد الإقليمي للنزاع وعلى دور إيران وأمن إسرائيل وحصة الأكراد. أما مصير الأسد فلم يعد تفصيلا ضروريا للأمريكيين، والتعايش معه ممكن كما التعايش مع عمر البشير أو كيم جونغ أون أو نيكولاس مادورو.

الحياة اللندنية

1
التعليقات (1)
متابع
الإثنين، 28-08-2017 11:38 ص
صباح الخير.... هذا كان قرار وسياسة اوباما من االبداية بدلبل عدم استخدامه القوة ضد الاسد حتى بعد تجاوز خطه الاحمر ومنعه تسليح المقاومة السورية باسلحة نوعية.

خبر عاجل