مقالات مختارة

الجزيرة.. الرقم الأصعب!

عبد الرحمن الشامي
1300x600
1300x600
المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة ليست سابقة من نوعها فحسب، خاصة بالنسبة لقناة بحجم قناة الجزيرة ووزنها، ولكنها أيضا اعتداء على حق أصيل للمواطن العربي، وهو حرية الحصول على الخبر والمعلومة من أي مصدر شاء، وتضرب -هذه المطالبة- قضية حرية الرأي والتعبير المنشود في بلداننا العربية في مقتل، وتريد بها العودة إلى عصر الصوت الواحد!

صحيح أن قناة الجزيرة هي الأولى من نوعها عربيا، كقناة إخبارية متخصصة، توسعت بعد ذلك لتصبح شبكة إعلامية متكاملة، ولكن هناك قنوات عديدة ظهرت بعدها لمنافستها، على غرار قناة العربية والنيل الإخبارية وغيرهما من القنوات الأخرى، غير أن تلك القنوات المنافسة خطت مرة، وتعثرت مرات، في حين ظلت قناة الجزيرة تحرز دوما قصب السبق في مضمار الإعلام العربي الإخباري المتخصص.

قناة الجزيرة هي الأولى عربيا، دون منافس، يشهد على ذلك كم الدراسات العلمية الأكاديمية التي أنجزت في عدد من الجامعات العربية، وهي دراسات محايدة، كثيرا ما احتلت فيها قناة الجزيرة المركز الأول كقناة يفضلها الجمهور العربي، ويحرص على مشاهدتها، سواء في الأوقات العادية، أو في زمن الحروب والأزمات، ونادرا ما جاءت في المرتبة الثانية أو الثالثة، في حين تخلف غيرها من القنوات الأخرى، ومنها من يعيش على التغني بماضيه الإعلامي المجيد، ويصر على ادعاء الريادة الإعلامية، في زمن لم يعد فيه «رائد» واحد، وإنما هناك عدة «رواد»، بدلا من الأخذ بسبل التطوير والتحديث، وتوسيع مساحة حرية الرأي والتعبير، والاعتراف بمبدأ المنافسة في عالم تشتد فيه المنافسة الإعلامية، وتستعر يوما تلو آخر. أما على المستوى الدولي، فقناة الجزيرة هي «الماركة» الإعلامية العربية الأولى التي يعرف أو يسمع بها الجمهور الأجنبي، كما أنها تلقى عناية من الأوساط الأكاديمية، وهناك دراسات وكتب كثيرة يعتد بها، أنجزت حول هذه القناة، وقام بها باحثون وأكاديميون في عدد من الجامعات والمؤسسات العلمية الأجنبية. مطالبة دول الحصار بإغلاق قناة الجزيرة، أو حتى تعديل خطابها الإعلامي، ينطوي على تناقضات عديدة، فهم يرون أنها قناة لم يعد لديها مصداقية، ولا يتابعها الجمهور العربي على نحو كبير.. فإذا كانت قناة الجزيرة على هذا النحو من الضعف والوهن، فلم تطالبون بإغلاقها؟

هل رأيتم أو سمعتم يوما ما -مثلا- أن صاحب متجر، يطالب بإغلاق المتجر المجاور له، الذي لا يقبل الناس على شراء بضاعته؟ تناقض غريب، ومحرج في الوقت نفسه! الحملة المسعورة على شبكة الجزيرة، تستفز عقلية المشاهد العربي وفطنته، وتدفعه إلى التفكير، بل والاستنتاج بأن الخوف من انكشاف المستور -وما أكثره- هو الذي يقف وراء هذه الحملة، وتصفية الحسابات مع القناة التي وقفت إلى جانب تطلعات الشعوب العربية في التغيير الذي تنشده، وهي الغاية من وراء المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة. نجاح شبكة الجزيرة بوجه عام، وقناة الجزيرة بوجه خاص، ليس سرا، ووصفة النجاح والتميز معروفة ومتاحة للجميع، فالمعادلة -من وجهة نظري- تتمثل في استقطاب الكفاءات الإعلامية المتميزة، وتوفير مساحة من الحرية الإعلامية، والانفتاح على جميع الآراء مهما كان الاختلاف معها، والسبق إلى الأخذ بكل جديد في عالم التكنولوجيا.

فقناة الجزيرة، تحاول أن تكون منبرا يتسع لجميع الآراء المتعارضة، وتحرص دوما على حضور من يمثلون طرفي القضية، وبخاصة في القضايا الشائكة والحساسة، وما أدارت يوما ظهرها للآخر، وإنما الآخرون هم من أداروا لها ظهرها، وعزفوا -أو هربوا- عن مواجهة خصومهم، فعلى من يقع اللوم في مواقف كهذه؟ أما فيما يتعلق بالمطالبة بترشيد الخطاب الإعلامي، فحري بالقنوات التلفزيونية التي انحدرت إلى مستوى دعاية غير مسبوقة، وانحدرت منحدرا خطيرا، وصل حد التحريض المباشر -وليس المستتر- على النيل من دول أخرى شقيقة، أن تقوم بترشيد خطابها الإعلامي قبل أن تطالب الآخرين بذلك. وتبقى قناة الجزيرة كغيرها من المنابر الإعلامية، اجتهادا بشريا، قد نتفق معها أحيانا، وقد نختلف أخرى، وتلك مسألة طبيعية في عالم الإعلام، لكنها تبقى الرقم الأصعب الذي لا يمكن تجاوزه.

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)