قضايا وآراء

ترامب على خطى غلاسبي في الخليج العربي

فرج كُندي
1300x600
1300x600
يدرك كل متابع للأحداث الكبيرة في منطقة الخليج هذه الأيام، المتمثلة في أزمة الدول الخليجية الثلاث: السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى جمهورية مصر، وهو ما يعرف إعلاميا بدول "الرباعية" مع دولة قطر؛ مدى خطورة الحدث وما يمكن أن تنعكس عليه من مؤثرات كارثية على المنطقة لا تقل جسامة عن التداعيات التي ما زالت تعاني المنطقة نتائجها إلى هذا اليوم، والمتمثلة في اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت في عهد الرئيس السابق صدام حسين عام 1990 ميلادي.

فالأمر كبير وخطير، وله نتائج تطال الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد. وإن وجد حل أو انفراج لهذه الأزمة في القريب المنظور فتأثيراتها وتداعيتها سوف تلقي بظلالها لفترة ليست بالقصيرة.

إن الملفت للنظر في هذه الأزمة هو تشابه الموقف الأمريكي في الأزمتين، وكأنه سيناريو كتب على بعد جغرافي محدد أعيد تمثيله من جديد وتم إخراجه بتقنية أحدث، مع مراعاة اختلاف الزمان فقط.

وبالعودة إلى مطلع التسعينيات، بعد أن خرج العراق من حربه التي خاضها مع إيران التي دامت حوالي ثماني سنوات، فقد فيها الطرفان أكثر من مليون قتيل ومليارات الدولارات التي صرفت على الحرب ودخلت خزنات ومصارف الدول المسعرة للحرب المصدرة للسلاح، اعتبر الرئيس العراقي السابق صدام حسين نفسه وأشقاءه العرب الذين ساهموا بقدر كبير في دعمه؛ أنهم جميعا خرجوا منتصرين في هذ الحرب، وأنهم نجحوا في لجم إيران ومنعها من التوسع في المنطقة، من خلال إعلانها مشروع تصدير الثورة إلى باقي أقطار المنطقة.

ساهمت نشوة هذا الانتصار لدى الرئيس العراقي في تكريس فكرة الزعامة والسطوة في المنطقة، واعتبار نفسه أنه هو من حمى الخليج العربي من التمدد الإيراني، وأن الدعم العربي كان دون مستوى تحقيق النصر، بل اتهم جارته الكويت بأنها استغلت فترة انشغال العراق بالحرب وقامت بالاستيلاء على حصة العراق من النفط.

وجعل صدام من هذا الخلاف وسيلة للضغط على الكويت وطالبها بتعويضات مالية كبيرة، وهذا ما رفضته الكويت، مما شدد من الأزمة، وساهم التصعيد الإعلامي من تطورها رغم وساطة بعض الدول العربية. إلا أن تشدد العراق بمطالبه سد أبواب الوساطة. وفي ظل هذه الظروف القاتمة، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على الخط، نظرا للأهمية الاقتصادية للمنطقة ككل، وأهمية العلاقة التجارية مع الدولتين طرفي النزاع، بالإضافة إلى كونها قوة عظمى لها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ولأهمية المنطقة بالنسبة لمصالحها.

إلا أن هذا التدخل بين "الاشقاء المتنازعين" كان غير متوقع، وإلى الآن ما زال يكتنفه الغموض، ولم يُكشف عن ملابساته الحقيقية، وما زالت التفسيرات والتحليلات مجرد تخمينات واستنتاجات من قبل الباحثين والدارسين، إلى أن يتم الافراج عن الوثائق الرسمية المتعلقة بهذا الموضوع.

كان سيناريو التدخل من الغرابة بمكان، وما كان يخطر على أي عقل ولا يتصوره حُلم قامت ببطولته السيدة الأمريكية "بريل غلاسبي"، سفيرة الولايات المتحدة في العراق، حين جسدت دورها بمهنية واحتراف في مقابلة رسمية مع الرئيس العراقي في العاصمة بغداد؛ حول الخلاف بين العراق والكويت، وأبدت له بدون مقدمات أن "الولايات المتحدة لن تتدخل لو أن القوات العراقية دخلت الكويت"، وكأن هذا التصريح ما كان ينتظره الرئيس العراقي الذي اجتاحت قواته دولة الكويت، لتدخل المنطقة في نفق مظلم ما زالت تعاني من نتائجه.

ابتلع الرئيس العراقي الطعم واجتاح الكويت، فكان رد فعل الولايات المتحدة أنها أدانت هذا التصرف وطالبت العراق بالانسحاب الفوري من دولة الكويت، وهددت بالتدخل العسكري الذي تم بالفعل في مطلع عام 1991ميلادي. وبهذا التدخل دخلت المنطقة مرحلة جديدة في علاقتها البينية وعلاقاتها مع السيد الضامن الذي تولى إدارة المنطقة بشكل مباشر.

بعد مرور أكثر من27 سنة، السيناريو يعيد نفسه مع تجدد الشخوص واختلاف دول الخليج وبقاء الراعي الرسمي لسيناريو الفتنة - أمريكا - مع إضافة لاعب جديد بمستوى أعلى متمثل في الرئيس الجديد "دونالد ترامب" الذي افتتح زيارته للمنطقة المشروطة بتقديم الأموال لدعم لاقتصاد الأمريكي، وتوفير فرص العمل للشباب العاطل عن العمل لعدة سنوات قادمة...

وفعلا عاد الرئيس الأمريكي بما اشترط وزيادة، وبإكرامية لابنته التي كانت ترافقه، المصون الشقراء "إيفانكا".

وعلى هامش هذه الزيارة "الميمونة"، عقد لقاء مع زعماء العالم الإسلامي حول مكافحة الإرهاب، وتم التشديد على ضرورة القضاء عليه وتجفيف منابعه ومعاقبة الدول الداعمة له. شعر المشاركون والمحتفون بهذا اللقاء أن الرئيس الأمريكي أعطاهم الضوء الأخضر وأطلق أيديهم في المنطقة، وأن تهمة دعم وتمويل الإرهاب كفيلة بالإيقاع بأي دولة في المنطقة ومحاصرتها بحجة هذه التهمة.

وهذا ما دفع بدول الرباعي العربي (السعودية - الإمارات - البحرين - مصر) إلى توجيه تهمة دعم الإرهاب إلى دولة قطر. ومدى صحة الاتهام لقطر من عدمها ليس موضوع حديثنا، فهذا ما سوف تثبته الأيام من خلال تقديم كل طرف حججه وقرائنه التي تقنع العالم بصدق دعواه ومصداقية سياسته ونبل أخلاقه، وربما المؤسسات الدولية هي من يملك الفصل في هذه المسألة الخطيرة.

إلا أن محور حديثنا وبيت القصيد الذي نحاول التقاطه والوصول إلى كنهه ومقصده؛ هو الموقف الأمريكي من هذه المسألة!! فما أشبه البارحة - منذ أكثر من 27 سنة - نجد أن موقف الولايات المتحدة من احتلال العراق لدولة الكويت هو نفس الموقف من حصار الرباعي العربي لدولة قطر.

فبعد أن أوحت للرئيس صدام بعدم ممانعتها لو احتل الكويت، وهو تحريض ضمني، وحين سقط صدام في الفخ، استنكرت فعلته وأعلنت الحرب عليه وقضت على معظم قواته في الكويت، وهو ما أعاده ترامب في قمة الرياض حين حرّض دول الخليج على بعضها، وأوحى لها بعدم اعتراضه على تقية الحسابات السياسية فيما بينهم، وهو ما نتج عنه حصار الرباعي لقطر.

ورغم تناقض التصريحات الأمريكية في بداية الأمر، خاصة ما بين الرئاسة ووزارة الخارجية، إلا أن الخلاصة بدأت تتبلور في الموقف الأمريكي، من خلال تصريحات رسمية باستهجان الحصار والدعوة إلى الحوار ودعم وساطة أمير الكويت والإطراء على جهود وتعاون قطر في مكافحة، وصولا إلى توقيع اتفاقية مكافحة الإرهاب مع قطر. والأيام حبلى بما هو جديد.

والسؤال المهم: متى يستفيق العرب ويتعلمون من دروس التاريخ القريب؟؟ ليت قومي يعلمون ويرشدون!!
التعليقات (0)