سياسة عربية

"نيويورك تايمز": إيران أكثر السعداء بأزمة الخليج

قال إن قطر لا تعني لإيران شيئا- أرشيفية
قال إن قطر لا تعني لإيران شيئا- أرشيفية
وصف الكاتب الأمريكي ثوماس إردبرينك الأزمة الحاصلة في الخليج جراء حصار قطر بأنها "مرحب بها من قبل إيران".

وقال الكاتب بمقال له في صحيفة "نيويورك تايمز" إن زعماء إيران حافظوا على قدر من الانضباط فيما يتعلق برد فعلهم على الأزمة القطرية ولم يكتفوا بالترحيب بها بل ربما يسعدهم استمرارها إلى أطول مدة ممكنة.

وأوضح إردبرينك في المقال الذي ترجمته "عربي21" أن الأزمة بالنسبة لإيران تأتي في وقت مناسب نشبت فيه مشكلة في الخليج والعالم العربي السني الذي بدا مصطفا ضد إيران بعد زيارة ترامب إلى الرياض.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

يلاحظ المحللون السياسيون أن زعماء إيران حافظوا على قدر من الانضباط فيما يتعلق برد فعلهم على الأزمة القطرية، ولهذا بلا شك أسبابه الوجيهة. لم يكتفوا بالترحيب بها، بل ربما يسعدهم أن يروها تستمر إلى أطول مدة ممكنة. 

وكانت كل من المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية وروابطها التجارية مع قطر الشهر الماضي مبررين ذلك بما قالوا إنه تمويلها للإرهاب وعلاقاتها الوثيقة مع إيران. 

ثم ما لبثوا أن تقدموا بقائمة من ثلاثة عشر مطلبا اعتبرتها قطر عدوانا صارخا على سيادتها، وهددوا بعد ذلك بمزيد من العقوبات إذا لم تلبى مطالبهم تلك. ويوم الأحد، بادرت هذه الدولة إلى تمديد المهلة التي أعطتها لقطر لتلبية المطالب لثمان وأربعين ساعة إضافية تنتهي مساء يوم الثلاثاء. 

بالنسبة لرجال الدين الذين يحكمون في طهران، لا يوجد أفضل من هذا التوقيت لما نشب من مواجهة بين دول الخليج الفارسي التي من المفترض أن تحالفاً يجمعها – فهي تأتي في زمن بدا العالم العربي السني مصطفاً ضد إيران بعد زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مايو / أيار.  

يقول الصحفي الإيراني ما شاء الله شمس الواعظين ضاحكا: "أرادوا إضعافنا، وها هم الآن يخسرون أنفسهم".

رغم أن إيران وقطر تشتركان في ملكية واحد من أضخم حقول الغاز في العالم وتوجد بينهما علاقات دبلوماسية، إلا أن قطر تعني القليل، أو ربما لا تعني شيئاً، لإيران من حيث القيمة الاستراتيجية. 

أقصى ما قالته طهران حول الوضع الحالي كان التصريح الخفيف الذي صدر عن رئيس إيران حسن روحاني حين قال لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إن "المجال الجوي وخطوط النقل البحرية والبرية التابعة لإيران ستظل باستمرار مفتوحة أمام قطر، البلد الشقيق والجار لنا".

كانت طهران بعد زيارة السيد ترامب تعد نفسها لمواجهة كتلة موحدة من دول الخليج الفارسي في غاية الثراء ومجهزة جيداً من الناحية العسكرية ولديها الاستعداد والرغبة في عزل إيران بدعم لا ينقصه الحماس من الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت المملكة العربية السعودية قد اشترت ما قيمته مائة مليار دولار من الأسلحة الأمريكية وأبرمت شراكة وطيدة ضد طهران مع السيد ترامب. 

لم تلبث الولايات المتحدة الأمريكية ومعها كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل أن صورت إيران على أنها المصدر الأساسي لعدم الاستقرار في المنطقة، وعلى أنها الدولة التي تدعم المجموعات الإرهابية في اليمن ولبنان وغزة وتقاتل بالنيابة عن حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا. وبدا كما لو أن الطريق بات مفتوحاً على مصراعيه أمام تصعيد الضغط على إيران – المنافس المخالف طائفياً والمكروه من قبل المملكة العربية السعودية بسبب نموذج الإسلام السياسي الذي تقدمه. 

ولكنهم لم يلبثوا أن بدأوا في الاقتتال فيهما بينهم. 

وكان تقرير نسب إلى وكالة الأنباء القطرية، نفته الحكومة القطرية فيما بعد وقالت إنه مفبرك، قد نقل عن الأمير قوله إنه يريد أن يخفف التوترات مع إيران. كان رد فعل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة غاضباً جداً، وتضمن اللجوء إلى فرض حصار دبلوماسي وتجاري على هذه الدولة الغنية بالغاز، ومن ثم تسليمها قائمة بثلاثة عشر مطلباً – ينص الطلب الثالث عشر منها على "وجوب الموافقة على كافة مطالبنا" – وبلغ بهم الأمر أن حظروا على مواطنيهم ارتداء قمصان لاعبي برشلونة لأنها تحمل اسم الخطوط الجوية القطرية، الراعي الرسمي للنادي. 

أحد المطالب اشترط أن تقوم قطر بإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وهو أمر من شأنه أن يسبب حالة من الجفاء مع تركيا، وهي دولة عضو في حلف الناتو وحليف للمملكة العربية السعودية في سوريا. يقول حميد رضا طراغي، المحلل السياسي الإيراني المتشدد: "بدلا من أن ينشئوا ناتو عربي ذهبوا يصنعون مزيدا من الأعداء فقط لا غير. والمستفيد الوحيد في نهاية المطاف هي أمريكا التي تبيع لتلك البلدان كل هذه الأسلحة".

ولكن حتى هناك، تسبب المواجهة الخليجية بعض الإزعاج لوزارة الدفاع الأمريكية، حيث أنها تدير الحملة الجوية ضد سوريا من داخل قاعدة كبيرة لها في قطر. 

يقول المحللون هنا إن ما يجري يكاد يكون مساراً مألوفاً للأحداث من وجهة رجال الدين الذين يحكمون في طهران، وذلك أن تنافس إيران الإقليمي مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الأقطار العربية يعني في بعض الأوقات الاكتفاء بالانتظار إلى أن يورط السعوديون أنفسهم فيما لا تحمد عقباه. 

بل تبدو هذه الاستراتيجية مناسبة أكثر من أي وقت مضى بصعود محمد بن سلمان، الذي يبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، والذي عين مؤخرا وليا للعهد، وخاصة أنه بات مشهورا عنه أنه يتخذ خطوات متهورة في السياسة الخارجية تنتهي عادة بالفشل الذريع. فهو مصمم مشروع الحرب السعودية في اليمن، الدولة المجاورة، والتي كان من المفروض أن تكون حربا خاطفة تنتهي في يومين، ولكنها مازالت مستمرة وقد دخلت عامها الثالث مسببة أزمة إنسانية مرعبة. 

ويبدو الآن أن ولي العهد، في حقيقة الأمر، هو القوة المحركة التي تقف خلف الجهود التي تبذل لعزل دولة قطر. 

في هذه الأثناء، ما فتئت وسائل الإعلام الإيرانية تتحدث بابتهاج عن أن البلاد الآن تجني بعض ثمار الأزمة على شكل رسوم تتقاضاها إيران مقابل الاستخدام المتزايد للمجال الجوي الإيراني من قبل الخطوط الجوية القطرية. 

لم تزل إيران على مدى الأعوام الماضية تخوض اللعبة بنفس طويل، تتربص نائية بنفسها عن التورط بشكل مباشر، وتستخدم وكلاء محليين للقيام بالمهمة نيابة عنها بدلا من الاندفاع نحو تحقيق انتصارات سريعة. 

فعلى سبيل المثال، عندما تعرض السيد الأسد للتهديد من قبل قوات تدعمها المملكة العربية السعودية، راحت إيران تغذي الصراع بهدوء بالمئات من الجنود، والذين أصبحوا الآن يعدون بالآلاف. واستخدمت في سبيل ذلك موارد عديدة، وبشكل خاص جنوداً من مليشيات حزب الله الشيعية الذين يتمتعون بأهلية قتالية جيدة، وجنودا من المليشيات الشيعية في العراق، إضافة إلى أعداد من الأفغان الذين جندتهم القوات المسلحة الإيرانية. 

ليس بإمكان قطر توقع دعم يتجاوز شحنات المواد الغذائية التي ترسل إليها بالطائرات من إيران، حسبما يرى المحللون. ونظراً لأن الموسم في إيران الآن هو موسم الكرز، يتصور كثير من الإيرانيين أن القطريين الآن يستمتعون بتناول الكرز الإيراني. 

يقول حسين شيخ الإسلام، أحد مستشاري وزير الخارجية محمد جواد ظريف: "أفضل شيء لمصالحنا هو ألا تنشب حرب. نسعى للتصرف بعقلانية، لأن خصومنا في المنطقة صغار السن وغير ناضجين وغير عقلانيين في تعاملهم مع قطر."

قد يكون مفيداً أن يبقى المرء متفرجاً خارج الحلبة بينما ينهمك الأعداء في اقتتال داخلي فيما بينهم. يقول السيد طراغي، المحلل السياسي المتشدد: "يشبه الأمر ما حدث للكويت حينما غزاها صدام حسين في عام 1990 – عدونا يبادر بالتحرك ويرتكب من الحماقات ما يضعفه وينهكه."

الشيء الوحيد الذي فعلته إيران حينذاك هو فتح مجالها الجوي أمام السيد صدام حسين حينما احتاج إلى ملجأ آمن لطائراته المقاتلة بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق. لقد أرسل مائة طائرة مقاتلة إلى إيران. قال له الإيرانيون: "شكراً لك." ولم يعيدوا إلى العراق أيا منها. 

يقول السيد طراغي: "التزمنا الحياد، وكسبنا. هذا كل ما في الأمر".
التعليقات (0)