صحافة دولية

باحث بريطاني: كيف وظّف جنرالات مصر "تمرد" ضد مرسي؟

واشنطن بوست: قيادة "تمرد" كانت تستخدم حسابا بنكيا يديره الجنرالات وتمده الإمارات- أرشيفية
واشنطن بوست: قيادة "تمرد" كانت تستخدم حسابا بنكيا يديره الجنرالات وتمده الإمارات- أرشيفية
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لأستاذ العلوم السياسية في كنغز كوليج لندن، نيل كيتشلي، يناقش فيه كيف استخدم جنرالات مصر حركة "تمرد" للإطاحة بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا.

ويقول الكاتب إن "الجنرال، (الذي أصبح رئيسا)، عبد الفتاح السيسي، خرج على التلفاز ليعلن تعليق الدستور الجديد، وخلع محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا، وقبل ذلك بأيام، وفي 30 حزيران/ يونيو 2013، كانت هناك مظاهرات تدعو إلى انتخابات رئاسية جديدة، وقال السيسي إن قراره بالتدخل جاء بعد أشهر من محاولات التصالح وإعادة الاستقرار للبلد، ووعد بأن الجيش لا يطمع في التدخل في السياسة ما بعد مرسي". 

ويضيف كيتشلي أنه في كتابه الجديد "Egypt in a Time of Revolution" (مصر في زمن الثورة)، الذي ألفه عن ثورة 2011 وما بعدها، يفصل كيف قام الجنرالات المصريون والأجهزة الأمنية بالتحريض على مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، في محاولة لإنهاء الأشكال الجديدة من السلطة المدنية، ولشرعنة استيلاء الجيش على السلطة. 

ويقول الكاتب: "قد يبدو ذلك غريبا، فعادة من يحرك الشارع هم التقدميون والثوريون، لكن مجموعة من الأبحاث التجريبية تشير إلى أن الفاعلين الأقوياء في الدولة قد يلجأون لتسهيل وتنسيق التظاهرات الجماعية لمصلحة أولئك الفاعلين".

ويشير كيتشلي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "لصناعة تلك الثورة، قامت حركة (تمرد)، وهي حركة على مستوى الشارع، بجمع التواقيع، ثم بالدعوة إلى الإطاحة بمرسي في 30 حزيران/ يونيو، ولم يظهر دور الجيش المصري ووزارة الداخلية في تنشيط الحركة إلا لاحقا، حيث اتضح لاحقا من تسجيلات صوتية مسربة أن قيادة (تمرد) كانت تستخدم حسابا بنكيا يديره الجنرالات، وتمده الإمارات، وتظهر المقابلات مع مسؤولي وزارة الداخلية وأعضاء سابقين في (تمرد) كيف قامت الأجهزة الأمنية بالتحريض على حكومة مرسي، وأدى هذا الكشف إلى فقدان (تمرد) لمصداقيتها بعد الانقلاب، وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2013 هاجم الناشطون العلمانيون والثوريون أحد مؤسسي الحركة، وشجبوه على أنه (قواد للمخابرات)".

ويلفت الكاتب إلى أن موجة الهجمات على الإخوان المسلمين، التي أضعفت رئاسة مرسي، في الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري، ليست موثقة بشكل جيد، لكنه حاول توضيح أماكن وقوع الاعتداءات على مكاتب الإخوان في أنحاء مصر، من خلال خارطة تظهر أماكن وقوع تلك الهجمات، في الفترة ما بين 18 حزيران/ يونيو و3 تموز/ يوليو 2013.

ويكشف كيتشلي عن أن تلك الهجمات تركزت في محافظات دلتا النيل، وهي المناطق التي كان مرسي عين فيها محافظين، مشيرا إلى أن وتيرة هذه الهجمات، التي وصل عددها لحوالي 40 في مجموعها، تزايدت في الأسبوع الذي سبق 30 حزيران/ يونيو، وتزامنت مع إعلان ضباط الشرطة ووزارة الداخلية الامتناع عن التدخل لحماية البنايات.

ويفيد الكاتب بأن "هذا الامتناع المدبر والمتعمد من القوات الأمنية كان عاملا مهما في حملات زعزعة الاستقرار، التي كان هدفها تقويض الحكم الديمقراطي، ففي 2008 وقفت عناصر الشرطة والجيش في تايلندا مكتوفي الأيدي، في الوقت الذي احتلت فيه جماعة (القمصان الصفراء) الموالية للجيش المطارين التجاريين في بانكوك لمدة أسبوعين، في محاولة لإسقاط حكومة سوماتشي وونغسوات، وفي 2014 وقف الجيش في باكستان متفرجا، في الوقت الذي قامت فيه حركة احتجاج مقربة من الأجهزة الأمنية باحتلال البرلمان والإذاعة، معارضة لرئيس الوزراء المنتخب نواز شريف".

وينوه كيتشلي إلى أنه "في مصر سمح للمتظاهرين ضد مرسي باحتلال وزارة الثقافة لمدة شهر تقريبا، بعد اعتراضهم على اختياره لوزير الثقافة، وفشل الشرطة في التدخل لاحظه المحتجون، وقالوا لاحقا بأن الدولة كانت مؤيدة للاحتجاج؛ لأنها أرادت إخراج الإخوان من الحكم".

وتذكر الصحيفة أنه "عندما تظاهرت الجموع في 30 حزيران/ يونيو، منادية برحيل مرسي، ادعى الجيش ووزارة الداخلية بأن أعداد المتظاهرين تقدر بما بين 14 إلى 30 مليونا، وفي مثال على تلفزيون (سي أن أن) قال الجنرال السابق سامح سيف اليزل عشية الانقلاب بأن عدد المحتجين وصل إلى 33 مليونا، وترأس اليزل بعد ذلك قائمة انتخابية مؤيدة للسيسي، ضمت عددا من قيادات (تمرد)، ويقال إن تلك القائمة كانت من ترتيب الأجهزة الأمنية".

ويؤكد الكاتب أنه "لا يمكن تصديق هذه الأرقام، التي تعكس ما بين 25% إلى 50% من السكان المصريين البالغين، وللمقارنة، فإن الأرقام لمظاهرات يوم المرأة في أمريكا، التي يتوقع أنها الأكبر في تاريخ أمريكا، لم يصل عدد المشاركين فيها إلى أكثر من 4 ملايين شخص، وعدد سكان أمريكا يصل إلى ما يقارب أربعة أضعاف عدد سكان مصر".

ويورد كيتشلي أن كلارك ماكفيل، وهو عالم ديناميكيات التجمعات، يقدر عدد المتظاهرين في ميدان التحرير في 30 حزيران/ يونيو بـ200 ألف متظاهر، وكان هناك عدد مشابه خارج القصر الرئاسي. 

ويقول الكاتب إنه وفي بحثه قدر العدد بأكثر من 140 ألفا في 30 حزيران/ يونيو، كما قدرها الإعلام المصري، لافتا إلى أن تجميع تلك الأرقام الواردة في التقارير الصحافية يجعل رقم المتظاهرين المشاركين في مظاهرات 30 حزيران/ يونيو في أنحاء مصر كلها أقل بكثير من مليون، ويقول إن "هذا يمثل بالتأكيد احتجاجا كبيرا، لكنه لا يساوي سوى جزء بسيط من الأعداد التي صوتت لمرسي". 

ويبين كيتشلي أن "البيانات المتوفرة حول المظاهرات تسمح بدراسة المناطق الأكثر مشاركة في التظاهر، بمقارنة النسبة المئوية في المحافظات المختلفة، في الفترة بين 30 حزيران/ يونيو و3 تموز/ يوليو،  وتبدو القاهرة أكثر المناطق التي شهدت مظاهرات كبيرة، والمثير هو أن المحافظات التي صوتت لصالح مرسي شهدت تحشيدا أكبر من المناطق الأخرى، وكان هناك تظاهر أقل في المناطق التي صوتت لمرسي، وهذا دليل ضد الادعاء بأن قاعدة الإخوان المسلمين الانتخابية انقلبت عليهم". 

ويؤكد الكاتب أن "استخدام الجيش لتظاهر أعداد كبيرة لا يقلل من حقيقة أنه كانت هناك معارضة شعبية لرئاسة مرسي، التي قسمت الشارع، والتي يمكن وصفها بالعاجزة". 

ويختم كيتشلي مقاله بالقول: "كما شرحت في مقالات أخرى، فإن فهم الدور الذي أداه الجنرالات والمخابرات في خلق الظروف التي مهدت لعزل مرسي، يشكك في الرواية المنتشرة من أن أحداث حزيران/ تموز 2013، كانت عبارة عن قيام أكثرية المصريين بالثورة فجأة ودون مساعدة من أحد لتبني عودة كاملة إلى حكم العسكر".
التعليقات (0)