مقالات مختارة

غموض واشنطن يُربك حلفاءها

محمد برهومة
1300x600
1300x600
ليستْ أمريكا دولة عادية كي يجوز لنا التساهل بأمرها وأمر سياساتها وقراراتها؛ فهي أهم قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وعلمية في العالم، وليس ترفا أنْ نحتار ونبذل الجهود لفهمها وقراءتها ومحاولة التعرف على مغزى كل خطوة تخطوها. 

لكنّ أمريكا، على ما هي عليه من تأثير هائل في شؤون دنيانا، لا يجوز أنْ تكون عصيّة على الفهم، ذلك أن تأثيرها الكوني يتطلب أنْ تكون قابلة للفهم، والإضرار بهذا المعيار منذ بدء رئاسة دونالد ترامب أضرّ بصورة أمريكا، وكان لهذه الرئاسة "أثر كبير في وجهة نظر العالم تجاه الولايات المتحدة"، وفق الدراسة الأخيرة التي أجراها مركز بيو للبحوث، والتي خلصت إلى أن رئيس الولايات المتحدة وسياساته "لا يحظيان بشعبية في أنحاء العالم"، وأن بلدين فقط من بين 37 بلدا شملتهم الدراسة، أبديا رأيا أفضل في ترامب من الرئيس السابق باراك أوباما، وهما إسرائيل وروسيا.

التقلب والمفاجأة وعدم كشف الأوراق وعدم تقدير المؤسسات جزء من تفكير ترامب وأسلوبه كعاشق لـ"الصفقات"، في حين أن الحلفاء والخصوم يفضّلون "تطوير سياسة خارجية لإدارة ترامب يمكن التنبؤ بها بشكل أكبر". 

لقد قدّمت الأزمة الخليجية الحالية حافزا جديدا على ضرورة فهم أمريكا على نحو أعمق في عهد ترامب، فتصريحات الرئيس المختلفة عن بيانات وزيري الخارجية والدفاع حوّلتْ الارتباك في التصريحات الأمريكية حول الأزمة إلى إرباك للحلفاء الخليجيين على الجانبين، وللمراقبين أيضا. والأرجح أن تأثير المؤسسات الأمريكية والمزاج العام الأمريكي على ترامب (شعبيته في حدود 
36 % في أول خمسة أشهر من الرئاسة!) أنه أصبح يتحدث على "تويتر" بحذر أكبر من السابق، وأن قدرة تغريداته، برغم انتشارها، على الانفراد بصناعة الحدث تتراجع، بل يتم عبر الخارجية والدفاع التخفيف من وطأتها، ولا غرو أن تتأخر الخارجية، في بعض الأوقات، في نشر مضمونها على موقعها الرسمي في "تويتر". 

هذا الوضع ليس جديدا بالكامل في السياسة الأمريكية، لكن "الغموض" بات أكثر حضورا واتساعا في عهد ترامب، وصار السياسيون والمراقبون على حدّ سواء، ينتظرون، بشكل تلقائي، تصحيحات المؤسسات والخارجية والدفاع، في محاولةٍ من الدول والإعلام لفكِ اشتباك الخطوط في المواقف الأمريكية من الحلفاء الأوروبيين و"الناتو" والصين وروسيا، ومن إيران وسورية والشركاء الاستراتيجيين في "مجلس التعاون" الخليجي.

ربما يمكن القول إنه في ظل أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب ما تزال في طور التشكّل، وفي ظل أن ثمة فراغات في الكوادر في المؤسسات، بخاصة في وزارة الخارجية، فإن التعامل مع "أكثر من أمريكا واحدة" سيظلّ مستمرا، بسلبياته وإيجابياته، ومن هنا فإن التعويل على "تجيير عشوائية ترامب"، لمصلحة دول خليجية على أخرى ليس في مكانه، من دون أن يتناقض ذلك مع حقيقة أن وقف تمويل الإرهاب ودعمه أولوية خليجية، وهي أيضا باب أمريكا الأوسع اليوم، والمدخل الأول لتعزيز التفاهمات والشراكات معها.

الغد الأردنية
0
التعليقات (0)