قضايا وآراء

في المسألة الخليجية (3)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
لست بحاجة لا أنا ولا أنت عزيزي القارئ إلى دليل جديد على أن المنطقة بأسرها قد تدخل إن لم تكن قد دخلت بالفعل في طريق اللاعودة، وأعني بهذا أن صفحة قديمة قد طويت بالكامل وسنبدأ في فتح صفحات جديدة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام والتي أكد فيها أن الحرب التي تدور رحاها ضد قطر  قد بدأت بتعليمات واضحة منه وأنه سيجني وبلاده المزيد من الأموال الخليجية من وراء ذلك.
 
وإذا أضفت هذه التصريحات أو التعليمات إلى تصريحات خرجت من بعض المحسوبين على دول الحصار خصوصا بعد تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، والتصعيد الإعلامي ضد تركيا وهو تصعيد دفع الرئيس التركي إلى الجهر بالقول بأن من يضعون إغلاق القاعدة التركية في قطر ضمن مطالبهم لا يحترمون تركيا وهو قول يشي بأن الأمور تمضي في طريق المواجهة والتصعيد لا الحل والتبريد. 

وإذا قدر لك الاطلاع على مقال "النيويورك تايمز" المنشور في 25 من حزيران/يونيو الجاري وعنوانه الخلاف بين ترامب ووزير خارجيته، ويتحدث فيه كاتبو المقال وهم ثلاثة ستدرك أن قرار حل الأزمة أو تصعيدها ليس في يد وزير الخارجية الأمريكي بل في يد كل من ستيف بانون كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض وهو متعصب للبيض ومتعصب أكثر في حربه على الإسلام ومعه جاريد كوشنر زوج بنت ترامب ومبعوثه الخاص للمنطقة لإدارة ملف القضية الفلسطينية وهو صهيوني والكل يعرف ذلك بمن  فيهم الذين استقبلوه بالأفراح والليالي الملاح في قمة الرياض كما استقبله رجال الأعمال في معظم دول مجلس التعاون الخليجي من قبل وصوله لمنصبه الجديد، والاثنان يعملان وفق خطة ترامب المفضلة وهي إدخال المنطقة في حالة حرب حتى يمكن حلب ما تبقى من أرصدة واحتياطي تلك الدول من النقد الأجنبي والذي يصل إلى تريلونات الدولارات. 

الخارجية الأمريكية تبدو وكأنها تحاول احتواء الموقف لكن وزير الخارجية تيليرسون ليس لديه ما يقدمه فيداه مغلولتان وهو رغم علاقاته السابقة بقادة المنطقة بحكم عمله كرئيس لواحدة من كبريات الشركات النفطية العالمية "إكسون موبيل" إلا أنه لا يتمتع بفريق من التكنوقراط والمفكرين السياسيين الذين اعتادت الخارجية الأمريكية على الاستعانة بهم في سابق العهود بينما جاء هو لتفريغ الوزارة من كوادرها في إطار خطة التقشف والتي عرفت بالانكفاء على الذات "أمريكا أولا". 

وجهة نظر تيلرسون أن ما تقوم به دول الحصار غير منطقي وغير مقبول أو معقول، وهي مخالفة لوجهة نظر ترامب الذي وفي الحقيقة هو على تماس واتصال مباشر مع قادة السعودية وأبو ظبي خصوصا بعد الصفقة التي تمت في الرياض قبل شهر تقريبا، وتتلخص وجهة نظره في أن الإيقاع بقطر ومحاصرتها سيقلص نفوذ قطر وقناة الجزيرة في المنطقة خصوصا ما يتعلق بصفقة القرن المتعلقة بالقضية الفلسطينية. 

يتفق ترامب وابن سلمان وابن زايد ومعهم السيسي والبحرين وربما الأردن أنه قد حان وقت تصفية القضية الفلسطينية ليستلم محمد بن سلمان السلطة في بلاده وليس هناك شيء اسمه القضية الفلسطينية وبالتالي يمكنه إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني دون معوقات وهذا الأمر لن يتم في ظل وجود جماعة الإخوان المسلمين وحماس وقناة الجزيرة والثلاثة يعتقد ابن سلمان وابن زايد وترامب والسيسسي أن قطر تدعمهم وهو جزء من الحقيقة وليس كل الحقيقة، فالتاريخ يشهد وجود حركة الإخوان المسلمين وصمودها في وجه الأنواء المختلفة والأعاصير العاتية حتى قبل قبل قيام دولة قطر التي ولا شك دعمت الشعوب ورغبتها في التحرر وهذا أمر لا ينكره إلا جاحد.

كما أن السعودية نفسها وفي الستينيات كانت أهم إحدى الدول  التي وقفت في وجه طغيان عبد الناصر وفتحت أبوابها أمام المهاجرين والمطاردين من الإخوان ولم يتهمها أحد وقتها ولا بعد ذلك بأنها دولة إرهاب أو تدعم الإرهابيين كما يفعلون اليوم مع قطر. فلماذا تنتقد السعودية اليوم وتهاجم قطر على شيء ربما لم تفعل قطر شيئا أكثر مما فعلته السعودية قبل نصف قرن من الزمان؟ 

إصرار دول الحصار على تقديم لائحة مطالب تعجيزية لدولة قطر لا تتناسب مع دعواهم أن قطر راعية للإرهاب كما قالوا عشية فرض الحصار يؤكد إفلاس هذه الدول، ولكنه يؤكد أيضا أن القضية لا علاقة لها من بعيد ولا قريب بالإرهاب أو بغيره بل بسياسة "الانصياع أو الموت" التي تحاول سعودية محمد بن سلمان تطبيقها في المنطقة حتى قبل استلام ابن سلمان للسلطة وهي سياسة يرى الرئيس الأمريكي ترامب أنها تضمن للبيت الأبيض سيطرة كاملة على دول مجلس التعاون الخليجي، فعوضا عن الحديث مع كل دولة منفردة يمكنه أن يوجه الست دول عبر قيادة دولة واحدة له الفضل على قيادتها بأن مكن ولأول مرة أحد ملوكها من تعيين ولده المدلل حاكما لها من بعده أو هكذا الخطة ولا ندري ماذا سيحدث غدا. 

يبقى القول بأن ترامب يعتقد أن قطر يمكن أن تكون عبرة لكل من يعتقد أنه بمقدوره الاعتراض على ما يخطه ترامب بيمينه ويلقي به إلى قادة المنطقة وعليهم السمع والطاعة ولم لا وهو الذي جاء بقادة أكثر من خمسين دولة وألقى على مسامعهم ما لا يطيقون سماعه وأخذ أموالهم ثم انطلق وقد ترك لهم ورقة صغيرة مكتوب فيها " انتظر منكم أن تقوموا بالمهمة على خير وجه".
 
دلهم ترامب على كيفية إشعال الحرب ولكنه للأسف لم يرسل إليهم لا الدليل التشغيلي ولا كيفية إنهاء حرب لا يعلم إلا الله كم تكلف ولا كيف ستنتهي ...
0
التعليقات (0)