قضايا وآراء

الشيخ القرضاوي في قائمة "الإرهاب"!!

فتحي الناعس
1300x600
1300x600
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي.. بالسوط ضع عنقي على السكين 

لن تستطيع حصار فكري ساعة.. أو نزع إيماني ونور يقين

فالنور في قلبي وقلبي بيدي ربي.. وربي ناصري ومعيني 

سأظل معتصما بحبل عقيدتي.. وأموت مبتسما ليحيا ديني

بهذه الأبيات القوية حسم الشيخ القرضاوي منذ منتصف القرن الماضي علاقته بالحاكم الظالم، وبالظلم والظالمين عموما. فقد اختار أن يكون ذلك العالم الذي لا يخشى في الله لومة لائم.

لقد اختار الشيخ القرضاوي منذ أيام شبابه أن يكون ذلك العالم الذي يصدع بالحق، ولو كان مكلفا بالنسبة إليه، ولم تزده المحن والسنون إلا صلابة في الحق. فهو ذات الشيخ وهو في سن الأربعين، هو ذاته في التسعين. شيخ تسعيني في عمره وجسده وشاب قوي في روحه وقوة حجته في الحق والصدع به، تراه دائما إلى صف الأمة وقضاياها العادلة في الحرية ورفض الاستبداد والمستبدين، وفي التنمية الاجتماعية ومحاربة الجوع والفقر. هكذا هو الشيخ القرضاوي منذ كان طالبا شابا يافعا في مقاعد الدراسة بالأزهر الشريف. وعلى هذا استمر عالما طاف العالم كله شرقه وغربه مدافعا عن الإسلام الوسطي المعتدل حتى لقب بشيخ الوسطية من العدو قبل الصديق، وسيظل كذلك وهو قد تجاوز التسعين من عمره. لقد كرمه الجميع واستقبله الجميع وتحصل على أغلب وأغلى الجوائز العلمية في الوطن العربي والعالم الإسلامي ولولا مواقفه الواضحة والقوية من قضية العرب والمسلمين الأولى فلسطين ومحاربته للصهيونية ودويلتها المزعومة "إسرائيل" لطالته حتى العديد من الجوائز شرقا وغربا.

الشيخ القرضاوي، وقد تجاوز العقد التاسع من عمره، لا يزال يجلس يوميا الساعات الطوال في مكتبه وهو ينقب الكتب ويكتب المقالات، مهموما بهموم الإسلام وأمة الاسلام، يتابع أخبارها ويتألم ويتأثر إلى حد البكاء الشديد لما أصابها شرقا وغربا من مآس وكوارث.

الشيخ القرضاوي صاحب الفقه الميسر الذي لا يفتقر إلى الدليل الشرعي، وفي نفس الوقت لا يجد المتعبد به أي شعور بالحرج أو الضيق. بل على العكس، من ذلك يجد مرونة وقدرة على التفاعل مع الواقع الذي يعيش فيه دون إفراط ولا تفريط. ومن أجل هذا الفقه وهذه المدرسة الوسطية التي أرسى دعائمها؛ حورب الشيخ القرضاوي من قبل المتعصبين والمتشددين والمتطرفين والإرهابيين؛ حربا شعواء طالت علمه وعرضه وشخصه. ومن المفارقات في هذه الحرب أن أغلب "فرسانها" ومن جميع الأصناف المذكورة أعلاه؛ هم من خريجي مدرسة متجذرة ومترعرعة في الدول التي صنفت هذا الشيخ الجليل ضمن قائمة "الإرهاب" (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).

لقد ألّف "فرسان" هذه الحرب عشرات الكتب والمؤلفات تشكك في علم الشيخ وتحط من قدره، وتصفه بالتفريط في الدين والتساهل في أحكامه إلى حد التمييع، وشككوا في عقيدته، واصفين إياه بالكفر والظلال وبأوصاف لا تعبر لا عن علم ولا عن خلق ولا عن دين.

إن حشر شيخ الإسلام في هذا الزمان؛ الشيخ القرضاوي ضمن قائمة توصف بـ"الإرهاب" لهو وصمة عار على جبين كل مسلم غيور على دينه وإسلامه، مهما كانت درجة الاختلاف بينه وبين الشيخ. إن تصنف مصر السيسي الشيخ القرضاوي هذا التصنيف، وقد فعلت منذ سنتين مضت فهو مفهوم لأنه وقف ضدها وضد إجرامها وانقلابها على الشرعية الدستورية في البلاد وقتل المئات بل الآلاف من الأبرياء والزج بعشرات الآلاف في السجون والمعتقلات ظلما وعدوانا.

أما ما يحير ويبعث على التساؤل والحيرة هو ماذا فعل الشيخ الجليل القرضاوي للسعودية والإمارات والبحرين حتى يضعوه في مثل هذه القائمة، وهو في هذه القمة من العلم والقدر عند السواد الأعظم من الأمة وهو في هذا العمر؟ الجواب: لا شيء. إنه الظلم المؤذن بزوال العمران لا أكثر من ذلك ولا أقل؛ لأنه لو راجعنا سيرة الشيخ ومواقفه من هذه الدول وحكامها ماضيا وحاضرا ما وجدنا ما يبرر حتى أقل من هذا الجرم الذي ارتكبوه في حقه، بل على العكس فلم نجد سوى مواقف دفاع وانحياز من الشيخ القرضاوي إلى جانب هذه الدول وحكامها، والوقوف ضد كل القوى والأطراف التي تتربص بها وفي أقصى الحالات التي ثبت أن اختلف الشيخ مع سياسة ما من سياسات هذه الدول، فإنه كان حريصا على أن يعبر على ذلك في إطار النصح الواجب من عالم في زمانه إلى الحاكم الذي يجب عليه نصحه، دون أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد على التحريض ضدها أو إثارة الرأي العام عليها.

هل يعقل يا حكام السعودية أن تمنحوا أفضل جائزة لديكم ماديا ومعنويا، وهي جائزة الملك فيصل رحمه الله، لهذا الشيخ الجليل قبيل سنوات قليلة وتستقبلونه في موسم الحج الماضي (1437 هـ) ضمن ضيوف الملك، ويلقي كلمة في اجتماع مجمع الفقه الإسلامي، ثم تقدمون على هذه الخطوة الفضيحة المدوية بأن تضعوه ضمن قائمة "الإرهاب"؟ ماذا سيقول عنكم العالم؟ وكيف ستنظر إليكم أمة الإسلام التي ينظر سوادها الأعظم نظرة احترام وتقدير لهذا الشيخ، بمن فيهم من يختلف معه؟ ماذا سيكتب عليكم التاريخ وأي أرض تقلكم وأي سماء تظلكم إذا توضأ هذا الشيخ وكبّر في جوف الليل المظلم من هذا الشهر الكريم، ودعا دعوة المظلوم؟

وأنتم يا حكام البحرين، هل نسيتم فضل هذا الشيخ عليكم عندما حاصرتكم الجماهير في ميدان اللؤلؤة، وبلغت قلوبكم حناجركم، وكدتم تصبحون من الماضي عندها أقبلت الوفود من أهل السنة على الشيخ، بصفته شيخ الثورات العربية ومناصرا لها، وبينت له طائفية ما يحدث في البحرين، وأقنعت الشيخ بأن الذي يحدث في البحرين هو ليس بثورة مثله مثل تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وإنما هي هبة مطبوعة بالطابع الطائفي، ولو قدر لها ونجحت فستكون على حساب أهل السنة في تلك الجزيرة الصغيرة.. فأصدر البيانات وصرح التصريحات تلو التصريحات ضد ما يحدث، رافضا لهذه "الثورة" عليكم قبل، حتى أن تتحرك قوات درع الجزيرة لتحسم المعركة لصالحكم.. أنا أتحداكم يا حكام البحرين أن تأتوني بدليل واحد أساء فيه الشيخ أو حرض عليكم أو على سياستكم. فلماذا تظلمون الشيخ الجليل إن الظلم ظلمات يوم القيامة ومؤذن بزوال العروش والعمران في الحياة الدنيا.

أما أنتم يا حكام الإمارات ما بالكم انحرفتم على سياسة والدكم المرحوم الشيخ زايد الذي كان يحب الشيخ ويوقره ويسمع إليه؟ ما الذي دهاكم لتعادوا صاحب والدكم بعد موته؟ ألا تعلمون أن هذا نوع من العقوق لوالدكم وهو في قبره؟ لقد غيرتم وبدلتم للحد الذي تعادون فيه شيخا جليلا يشهد الله أنه لم يظلمكم في شيء، ولم يقترف في حقكم أي شيء يمكن أن يبرر ما أقدمتم عليه من وضعه على قائمة "الإرهاب"، وهو في هذه القمة العلمية وهذا العمر المتقدم من حياته.. ألا تعلمون أن المظلوم مستجاب الدعوة؟ ألا تعلمون أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟

يقول تعالى: " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.." صدق الله العظيم. فها نحن ظلمنا بظلم شيخنا، ولكننا لم نقل فيكم سوءا بالرغم من كثرة سوءاتكم، ولكن لا تضمنوا بأننا لن نمد أكف الضراعة لندعوا على من ظلمنا.
التعليقات (0)