مقالات مختارة

لماذا ينبغي إغلاق السلطة الفلسطينية

ديانا بطو
1300x600
1300x600
اعتُبر اجتماع الرئيس ترامب هذا الأسبوع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جهداً يقوم به مؤلف كتاب "فن إبرام الصفقات" من أجل استئناف عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة والتي توقفت منذ زمن بعيد. ولكن، وبينما تقترب الذكرى السنوية الخمسون للاحتلال الإسرائيلي، بإمكاننا الجزم بما يلي: عملية السلام أسوأ من مجرد متوقفة. لم يعد ثمة جدوى من المفاوضات في ظل حكومة يمينية متعنتة في إسرائيل لا تؤمن بأنه ينبغي أن يحظى الفلسطينيون بحقوق كاملة. 

إلى أين يقود ذلك الرئيس ترامب والسياسة الأمريكية التي تدعم السلطة الفلسطينية والسيد عباس؟ أخذاً بالاعتبار الفشل الذريع الذي وصلت إليه المحادثات التي قامت على أساس من إطار مفلس منحاز بشكل سافر لصالح إسرائيل، يتحدث الفلسطينيون بشكل متزايد عن الحاجة إلى قيادة جديدة وإلى استراتيجية جديدة. 

كثيرون يتساءلون الآن ما إذا كانت السلطة الفلسطينية تلعب دوراً إيجابياً أم أنها مجرد أداة سيطرة وتحكم في يد إسرائيل والمجتمع الدولي. نجد أن المنطق الذي لا فكاك منه يقضى بأن على هذه السلطة أن تذهب. 

كان المقصود من السلطة الفلسطينية التي تأسست في عام 1994 بموجب اتفاقيات أوسلو أن تشكل كياناً مؤقتاً يصبح حكومة كاملة المواصفات والصلاحيات حينما تتحقق الدولة بحلول عام 1999 كما كان موعوداً. ولذلك ظلت صلاحيات السلطة محدودة، تناط بها مسؤولية ما لا يزيد عن 18 بالمائة من الضفة الغربية (التي قسمت إلى ثمان مناطق). ومقارنة بسيطرة إسرائيل الكلية على الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، ظلت السلطة الفلسطينية عملياً بلا صلاحيات تستحق الذكر. 

ومع ذلك كانت إقامة حكومة خاصة بهم حلماً طالما راود كثيراً من الفلسطينيين، ثم تحقق في آخر المطاف. أخيراً، تسنى لمن عاشوا تحت نير الاحتلال منذ عام 1967 أن يتحرروا من قمع واضطهاد الحكم العسكري الإسرائيلي وأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم. تداعى الفلسطينيون وأقبلوا على تسلم المناصب في الكيان الجديد واعتزوا بإقامة المؤسسات رغماً عن العقبات التي فرضها الحكم الإسرائيلي. وبينما كانت المفاوضات بمقتضى أوسلو تزحف ببطء شديد أصبحت هذه العقبات أشد وأصعب. 

بعد أكثر من عقدين من الزمن لم تثمر المحادثات تقدماً يذكر. قضيت شخصياً عدة سنوات مشاركة في المفاوضات في الجانب الفلسطيني وبإمكاني أن أشهد بأنها كانت بلا طائل. كان أعضاء الوفد الفلسطيني، والذين كانوا بحاجة إلى تصاريح لدخول إسرائيل حتى يشاركوا في المحادثات، يحتجزون بشكل روتيني على نقاط التفتيش الإسرائيلية. وحينما كنا نتحدث عن القانون الدولي وعن عدم شرعية المستوطنات كان المفاوضون الإسرائيليون يضحكون في وجوهنا ويسخرون منا. 

كانوا يقولون لنا: القوة هي كل شيء وأنتم ليس لديكم منها شيء

بات جلياً بمرور الوقت أن ميزانية السلطة وأولوياتها كانت توجه بالدرجة الأولى نحو ضمان بقاء الفلسطينيين واحداً من أكثر شعوب الأرض خضوعاً للمراقبة والسيطرة. في واقع الأمر، عملت السلطة الفلسطينية مقاولاً بالباطن لدى الاحتلال العسكري الإسرائيلي. كان يقال لنا إن التركيز الكلي على الأمن كان ضرورياً لضمان استمرار محادثات السلام. واليوم، ينفق ثلث ميزانية السلطة، البالغة أربعة مليارات دولار، بأكمله على أجهزة الشرطة، أكثر بكثير مما ينفق على الصحة والتعليم معاً. 

لا تقدم قوات الأمن هذه خدمة شرطية اعتيادية للفلسطينيين وإنما تقوم بدلاً من ذلك بمساعدة الجيش الإسرائيلي في ضمان استمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي. لم ينجم عن "التعاون الأمني" الذي يشاد به دولياً بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سوى اعتقال وسجن الفلسطينيين بما في ذلك نشطاء حقوق الإنسان، بينما يسمح للمستوطنين الإسرائيليين المسلحين والممارسين للعنف بترهيب الفلسطينيين والإفلات من كل مساءلة أو عقاب. ليس للسلطة الفلسطينية أي سلطات على المستوطنين، أما الجيش الإسرائيلي فديدنه على الدوام أن يشيح بوجهه ويغض بصره عما يمارسه هؤلاء المستوطنون. 

ليس الهدف من وجود السلطة الفلسطينية اليوم هو تحرير فلسطين وإنما كتم أنفاس الفلسطينيين وقمع كل صوت مخالف بينما تستمر إسرائيل في سرقة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيين وبناء المستوطنات وتوسيعها. وبدلاً من أن تصبح دولة ذات سيادة كاملة، تحولت السلطة الفلسطينية إلى ما يشبه الدولة البوليسية، إلى نظام ديكتاتوري في واقع الأمر، يرعاه ويموله المجتمع الدولي. 

انظر إلى زعيمها السيد محمود عباس البالغ من العمر اثنين وثمانين عاماً والذي يهيمن على السلطة منذ أكثر من اثني عشر عاماً، ويديرها معظم الوقت من خلال مراسيم رئاسية دون مرجعية انتخابية. لقد شهدت البلاد تحت قيادته بعضاً من أسوأ الأيام وأشدها حلكة في التاريخ الفلسطيني، بما في ذلك الانقسام الكارثي الذي مر عليه الآن ما يقرب من عشرة أعوام، ذلك الانقسام بين حزبه حركة فتح من جهة وحركة حماس من جهة أخرى، اللاعب الرئيسي الآخر في السياسة الفلسطينية، ناهيك عن ثلاثة حروب مدمرة شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة. 

في عهده أصبح البرلمان الفلسطيني في حالة احتضار وبلا قيمة تذكر. كثير من الفلسطينيين لم يصوتوا في حياتهم أبداً لا في انتخابات رئاسية ولا في انتخابات برلمانية لأن السيد عباس لا يسمح بإجرائها، وذلك على الرغم من أن القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية يؤكد عليها ويطالب بها. تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن شعبيته في أدنى مستوياتها على الإطلاق، لدرجة أن ثلثي الفلسطينيين في غاية السخط ويطالبونه بالاستقالة. 

لم يعد عدد كبير من الفلسطينيين يؤمن بجدوى المفاوضات أو بأنها ستضمن لهم حريتهم. لقد مأسست السلطة الفلسطينية التطفل على المانحين الدوليين، الأمر الذي يغل يدي السلطة ويفرض عليها قيوداً سياسية. ونتيجة لذلك يصبح محتماً عند التفكير في اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على بنائها للمستوطنات غير القانونية الأخذ بالاعتبار ما يمكن أن يجره مثل هذا الإجراء البسيط على السلطة من تبعات مالية محتملة. 

في سبيل التحرر من هذا الحبل الذي ما لبث يشدد الخناق على الفلسطينيين لابد من استبدال السلطة بآلية مجتمعية لصنع القرار شبيهة بما كان سائداً قبل إقامة هذا الكيان. كما يتوجب علينا إصلاح كياننا السياسي الرئيسي، أي منظمة التحرير الفلسطينية، والتي يترأسها أيضاً السيد محمود عباس. ينبغي أن تصبح المنظمة أكثر تمثيلاً للشعب الفلسطيني ولأحزابه السياسية، بما في ذلك حماس. فقد أعربت حماس منذ وقت طويل عن رغبتها في أن تصبح جزءاً من منظمة التحرير، وقد أكد على ذلك ميثاقها الجديد الذي صدر في العاصمة القطرية، الدوحة، مؤخراً. 

طالما أن عملية المفاوضات قد ماتت، لماذا يجبر الشعب الفلسطيني على التمسك بالسلطة الفلسطينية، والتي لم تزد عن النيل من نضالهم عبر سنوات طويلة في سبيل تحقيق العدالة، بل وساهمت في الانقسام الذي وقع بينهم؟ 

أخذاً بالاعتبار وجود ما يقرب من 150 ألف موظف يعتمدون على السلطة في معاشهم، فإني أدرك تماماً أن حل السلطة لن يكون يسيراً ولن يكون بلا ألم ومعاناة. ولكن لم يبق أمامنا سوى هذا السبيل إذا ما أردنا استعادة كرامتنا واستقلال قرارنا الفلسطيني. إذا ما جرى إصلاح منظمة التحرير واستعادت مصداقيتها فإنها ستكون قادرة على جمع الأموال من الفلسطينيين ومن الدول الصديقة لدعم أولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال تماماً كما كانت تفعل قبل عملية أوسلو. 

قد يبدو للبعض أننا بذلك نتخلى عن حلمنا الوطني في الحكم الذاتي. لا، ليس الأمر كذلك. بل بإمكاننا كفلسطينيين من خلال تفكيك السلطة أن نواجه مرة أخرى الاحتلال الإسرائيلي بطريقة استراتيجية بدلاً من الركون إلى جهود محمود عباس الرمزية لإقامة الدولة. وهذا يعني دعم المبادرات المجتمعية التي تنظم الاحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بمقاطعة إسرائيل وبسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، تماماً كتلك المبادرات التي نجحت في إنهاء التمييز العنصري (الأبارتيد) في جنوب أفريقيا. 

قد تعني هذه الاستراتيجية الجديدة المطالبة بحقوق متساوية ضمن دولة واحدة، وهو حل أكثر عدلاً وأيسر نوالاً من عملية السلام التي يدعمها الأمريكان والتي تتظاهر بأنه يمكن تحقيق السلام دون ضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقوق الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. بات اليوم أكثر من ثلث الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المحتلة يؤيدون حل الدولة الواحدة رغم أنه لا يوجد حزب سياسي رئيسي واحد يتبني هذه السياسة ويدعو إليها.  

سوف يصبح ممكناً من خلال حل السلطة الفلسطينية وإصلاح منظمة التحرير الاستماع إلى إرادة الفلسطينيين الحقيقة، وسواء كان المطلوب في نهاية المطاف دولتين أو دولة واحدة، فإن من حق هذا الجيل من الفلسطينيين أن يقرر ماذا يريد. 

(عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مترجم خصيصا لـ"عربي21").

0
التعليقات (0)