لقد تطلبت الساحة السياسية المفتوحة لتيار شبابي واسع وغير متحزب قبل الثورة قيادات سياسية جديدة وعمل حزبي ديمقراطي. لكن القيادات التاريخية التي استفادت من التقديس القديم ظلت متمسكة بالواجهة وبطرقها السابقة على الثورة واعتبرت كل نقد لها هو طعن في شرعيتها التاريخية. وصادرت بذلك كل أمل في تغيير النخب.
الانقلاب فاشل والجميع فقد الأمل، منه لكن معارضيه خائفون مترددون ويحسبون حسابات تجار صغار ولا يريد أي منهم دفع كلفة المعارضة، هكذا كان الأمر زمن ابن علي وهو يتكرر أمام أعين العالم
الرابط بين حديث فرقاء السياسة العقلاء أو من فيهم بقية من رصانة أن الانقلاب انتهى سياسيا وأخلاقيا، وقد ظهرت كل علامات الانهيار الاقتصادي المؤذنة بسقوطه. وكلهم يقولون على الخاص وعلى العام إنها مسألة وقت، لكن أمام السؤال الجارح: لماذا لا تخرجون إلى الشارع خرجة أخيرة تعصف به وتستعيد الدولة ومؤسساتها؟
اللحظة التونسية تتسارع وتوشك أن تسفر عن وجه جديد دون الانقلاب، لكن الخلاف العميق بين مراكز القوة يوشك أن يفضى إلى وضع قلق آخر؛ سماته الاضطراب الاجتماعي وغياب موقف وطني يحمي سيادة البلد من السفارات، ويفتقر إلى حلول مالية سريعة إلا بمزيد من التداين
كل المؤشرات وخاصة استقالة مديرة ديوانه الكاشفة لصراع مميت داخل أروقة القصر تدفع إلى رفع نسق الاستعداد لما بعده، ومن لم يلتقط هذا أظن أن تهاونه في الشارع عجز لا تكتيك
سيظل هناك سؤال كبير: لماذا تنحصر تعبيرات الرفض حتى الآن في فئة محددة من النخبة السياسية، ونشاهد رغم تعسف الرئيس من يأتيه طائعا يبرر له أو يتظاهر بالحياد فلا يهتم بمصير البلد؟
أن يستعد الشارع للدفاع عن الديمقراطية فهذا حقه ما لم يجنح إلى عنف منفلت، أن تحمي القوة الصلبة المؤسسات فهذا واجبها، لكن إذا قُمعت حركة الشارع بقوة وشراسة كما هو متوقع فإن الثمن سيدفعه الانقلاب
غربال الثورة لا يزال يشتغل فيسقط منه أعداء الحرية رغم الانقلاب وآثاره الظاهرة. لذلك فإن العشرية السوداء كانت سوداء فقط على الخائفين من الحرية، أما الصابرون على الثورة فيتقدمون نحو المزيد من الحرية
معارضة الانقلاب دون نقد للموقف السياسي الذي سبقه ودون خارطة طريق ديمقراطية لما يكون بعده؛ هو استمرار للوضع الذي صنع الانقلاب وسمح له بالبقاء ويمد في أنفاسه الآن بلا نهاية، وهو ما يعرفه الرئيس ويعتمد عليه للبقاء
هذه خلاصة مُرّة لكنها واقعية، خجلون برئيسنا آسفون لمصير تجربتنا، وليس لدينا حلول قريبة يمكن أن ترمم ما خربناه بأيدينا ذات انتخاب مغشوش، فالرجل ماض في غيه لا يردعه رادع في الداخل ولا في الخارج
الأكيد أن الجميع متيقنون من نهايتهم القريبة (هناك اختلاف طفيف في تقدير يوم السقوط)، ولذلك فإن صراعاتهم الآنية تتجه إلى الفوز بأكبر مغنم سياسي بعده. لكن تظل العقدة في المنشار.. النهضة حاضرة لأخذ قسطها الوافر بحكم أن الانقلاب لم يفلح في تفتيتها وضربها
سيخلق انقلاب قيس سعيد ما يكفي من الفقر لكي يستفيق المفقرون إلى أسباب فقرهم فيستأنفون معارك التحرير، وهي الطريق الحقيقي لخلق الثروة دون فائض استعماري. بالثروة تبنى الديمقراطية وليس العكس